يهجعون؛ أي ينامون قليلا من الليل ويصلون أكثره. قال عطاء: وهذا لما أمروا بقيام الليل. وكان أبو ذر يحتجز ويأخذ العصا فيعتمد عليها حتى نزلت الرخصة ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [المزمل: ٢] الآية. وقيل: ليس ﴿مَا﴾ صلة بل الوقف عند قوله: ﴿قَلِيلاً﴾ ثم يبتدئ ﴿مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ فـ ﴿مَا﴾ للنفي وهو نفى النوم عنهم البتة. قال الحسن: كانوا لا ينامون من الليل إلا أقله وربما نشطوا فجدوا إلى السحر. روي عن يعقوب الحضرمي أنه قال: اختلفوا في تفسير هذه الآية فقال بعضهم: ﴿كَانُوا قَلِيلاً﴾ معناه كان عددهم يسيرا ثم ابتدأ فقال: ﴿مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ على معنى من الليل يهجعون؛ قال ابن الأنباري: وهذا فاسد؛ لأن الآية إنما تدل على قلة نومهم لا على قلة عددهم، وبعد فلو ابتدأنا ﴿مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ على معنى من الليل يهجعون لم يكن في هذا مدح لهم؛ لأن الناس كلهم يهجعون من الليل إلا أن تكون ﴿مَا﴾ جحدا.
قلت: وعلى ما تأوله بعض الناس - وهو قول الضحاك - من أن عددهم كان يسيرا يكون الكلام متصلا بما قبل من قوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ أي كان المحسنون قليلا، ثم استأنف فقال: ﴿مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ وعلى التأويل الأول والثاني يكون ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ﴾ خطابا مستأنفا بعد تمام ما تقدمه ويكون الوقف على ﴿مَا يَهْجَعُونَ﴾، وكذلك إن جعلت ﴿قَلِيلاً﴾ خبر كان وترفع ﴿مَا﴾ بقليل؛ كأنه قال: كانوا قليلا من الليل هجوعهم. فـ ﴿مَا﴾ يجوز أن تكون نافية، ويجوز أن تكون مع الفعل مصدرا، ويجوز أن تكون رفعا على البدل من اسم كان، التقدير كان هجوعهم قليلا من الليل، وانتصاب قوله: ﴿قَلِيلاً﴾ إن قدرت ﴿مَا﴾ زائدة مؤكدة بـ ﴿يَهْجَعُونَ﴾ على تقدير كانوا وقتا قليلا أو هجوعا قليلا يهجعون، وإن لم تقدر ﴿مَا﴾ زائدة كان قوله: ﴿قليلا﴾ خبر كان ولم يجز نصبه بـ ﴿يَهْجَعُونَ﴾ لأنه إذا قدر نصبه بـ ﴿يَهْجَعُونَ﴾ مع تقدير ﴿مَا﴾ مصدرا قدمت الصلة على الموصول. وقال أنس وقتادة في تأويل الآية: أي كانوا يصلون بين العشاءين: المغرب والعشاء. أبو العالية: كانوا لا ينامون بين العشاءين. وقاله ابن وهب. وقال مجاهد:


الصفحة التالية
Icon