كقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾ [الفرقان: ٥٩] أي فاسأل عنه. النحاس: قول قتادة أولى، وتكون ﴿عَنِ﴾ على بابها، أي ما يخرج نطقه عن رأيه، إنما هو بوحي من الله عز وجل؛ لأن بعده: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾
وقد يحتج بهذه الآية من لا يجوز لرسول الله ﷺ الاجتهاد في الحوادث. وفيها أيضا دلالة على أن السنة كالوحي المنزل في العمل. وقد تقدم في مقدمة الكتاب حديث المقدام بن معد يكرب في ذلك والحمد لله. قال السجستاني: إن شئت أبدلت ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ من ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ قال ابن الأنباري: وهذا غلط؛ لأن ﴿إِنْ﴾ الخفيفة لا تكون مبدلة من ﴿مَا﴾ الدليل على هذا أنك لا تقول: والله ما قمت إن أنا لقاعد.
قوله تعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ يعني جبريل عليه السلام في قول سائر المفسرين؛ سوى الحسن فإنه قال: هو الله عز وجل، ويكون قوله تعالى: ﴿ذُو مِرَّةٍ﴾ على قول الحسن تمام الكلام، ومعناه ذو قوة والقوة من صفات الله تعالى؛ وأصله من شدة فتل الحبل، كأنه استمر به الفتل حتى بلغ إلى غاية يصعب معها الحل.﴿فَاسْتَوَى﴾ يعني الله عز وجل؛ أي استوى على العرش. روي معناه عن الحسن. وقال الربيع بن أنس والفراء: ﴿فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى﴾ أي استوى جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام. وهذا على العطف على المضمر المرفوع بـ ﴿هُوَ﴾ وأكثر العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أظهروا كناية المعطوف عليه؛ فيقولون: استوى هو وفلان؛ وقلما يقولون استوى وفلان؛ وأنشد الفراء:

ألم تر أن النبع يصلب عوده ولا يستوي والخروع المتقصف
أي لا يستوي هو والخروع؛ ونظير هذا: ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا﴾ [النمل: ٦٧] والمعنى أئذا كنا ترابا نحن وأباؤنا. ومعنى الآية: استوى جبريل هو ومحمد عليهما السلام ليلة الإسراء بالأفق الأعلى.


الصفحة التالية
Icon