ابن عباس أيضا في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ أن معناه أن الله تبارك وتعالى ﴿دَنَا﴾ من محمد ﷺ ﴿فَتَدَلَّى﴾ وروى نحوه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم. والمعنى دنا منه أمره وحكمه. وأصل التدلي النزول إلى الشيء حتى يقرب منه فوضع موضع القرب؛ قال لبيد:
فتدليت عليه قافلا... وعلى الأرض غيابات الطفل
وذهب الفراء إلى أن الفاء في ﴿فَتَدَلَّى﴾ بمعنى الواو، والتقدير ثم تدلى جبريل عليه السلام ودنا. ولكنه جائز إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدمت أيهما شئت، فقلت فدنا فقرب وقرب فدنا، وشتمني فأساء وأساء فشتمني؛ لأن الشتم والإساءة شيء واحد. وكذلك قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: ١] المعنى والله أعلم: انشق القمر واقتربت الساعة. وقال الجرجاني: في الكلام تقديم وتأخير أي تدلى فدنا؛ لأن التدلي سبب الدنو. وقال ابن الأنباري: ثم تدلى جبريل أي نزل من السماء فدنا من محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: تدلى الرفرف لمحمد ﷺ ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه. وسيأتي. ومن قال: المعنى فاستوى جبريل ومحمد بالأفق الأعلى قد يقول: ثم دنا محمد من ربه دنو كرامة فتدلى أي هوى للسجود. وهذا قول الضحاك. قال القشيري: وقيل على هذا تدلى أي تدلل؛ كقولك تظني بمعنى تظنن، وهذا بعيد؛ لأن الدلال غير مرضي في صفة العبودية.
قوله تعالى: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ أي ﴿كَانَ﴾ محمد من ربه أو من جبريل ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ﴾ أي قدر قوسين عربيتين. قال ابن عباس وعطاء والفراء. الزمخشري: فإن قلت كيف تقدير قوله: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ﴾ قلت: تقديره فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين، فحذفت هذه المضافات كما قال أبوعلي في قوله:
وقد جعلتني من حزيمة إصبعا


الصفحة التالية
Icon