أراد بالسعي المضى بجد وانكماش، ولم يقصد للعدو والإسراع في الخطو. وقال الفراء وأبو عبيدة: معنى السعي في الآية المضي. واحتج الفراء بقولهم: هو يسعى في البلاد يطلب فضل الله؛ معناه هو يمضى بجد واجتهاد. واحتج أبو عبيدة بقول الشاعر:

أسعى على جل بني مالك كل امرئ في شأنه ساعي
فهل يحتمل السعي في هذا البيت إلا مذهب المضى بالانكماش؛ ومحال أن يخفى هذا المعنى على ابن مسعود على فصاحته وإتقان عربيته. قلت: ومما يدل على أنه ليس المراد ها هنا العدو قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ائتوها وعليكم السكينة". قال الحسن: أما والله ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار؛ ولكن بالقلوب والنية والخشوع. وقال قتادة: السعي أن تسعى بقلبك وعملك. وهذا حسن، فإنه جمع الأقوال الثلاثة. وقد جاء في الاغتسال للجمعة والتطيب والتزين باللباس أحاديث مذكورة في كتب الحديث.
السادسة- قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ خطاب المكلفين بإجماع. ويخرج منه المرضى والزمني والمسافرون والعبيد والنساء بالدليل، والعميان والشيخ الذي لا يمشي إلا بقائد عند أبي حنيفة. روى أبو الزبير عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك فمن استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه والله غني حميد" خرجه الدارقطني وقال علماؤنا رحمهم الله: ولا يتخلف أحد عن الجمعة ممن عليه إتيانها إلا بعذر لا يمكنه منه الإتيان إليها؛ مئل المرض الحابس، أو خوف الزيادة في المرض، أو خوف جور السلطان عليه في مال أو بدن دون القضاء عليه بحق. والمطر الوابل مع الوحل عذر إن لم ينقطع. ولو يره مالك عذرا له؛ حكاه المهدوي. ولو تخلف عنها متخلف على ولي حميم له قد حضرته الوفاة، ولم يكن عنده من يقوم بأمره رجا أن يكون في سعة. وقد فعل ذلك ابن عمر.


الصفحة التالية
Icon