وهو قولهم: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ فأنزل الله تعالى ردا عليهم وتكذيبا لقولهم ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ أي برحمة ربك. والنعمة ها هنا الرحمة. ويحتمل ثانيا - أن النعمة ها هنا قسم؛ وتقديره: ما أنت ونعمة ربك بمجنون؛ لأن الواو والباء من حروف القسم. وقيل هو كما تقول: ما أنت بمجنون، والحمد لله. وقيل: معناه ما أنت بمجنون، والنعمة لربك؛ كقولهم: سبحانك اللهم وبحمدك؛ أي والحمد لله. ومنه قول لبيد:

وأفردت في الدنيا بفقد عشيرتي وفارقني جار بأربد نافع
أي وهو أربد. وقال النابغة:
لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم طفحت عليك بناتق مذكار
أي هو ناتق. والباء في ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ متعلقة " بِمَجْنُونٍ " منفيا؛ كما يتعلق بغافل مثبتا. كما في قولك: أنت بنعمة ربك غافل. ومحله النصب على الحال؛ كأنه قال: ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك. ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً﴾ أي ثوابا على ما تحملت من أثقال النبوة. ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أي غير مقطوع ولا منقوص؛ يقال: مننت الحبل إذا قطعته. وحبل منين إذا كان غير متين. قال الشاعر:
غُبْسا كواسب لا يُمَنّ طعامها
أي لا يقطع. وقال مجاهد: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ محسوب. الحسن: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ غير مكدر بالمن. الضحاك: أجرا بغير عمل. وقيل: غير مقدر وهو التفضل؛ لأن الجزاء مقدر والتفضل غير مقدر؛ ذكره الماوردي، وهو معنى قول مجاهد.


الصفحة التالية
Icon