قوله تعالى: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ قال ابن عباس: معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة. وقيل: فسترى ويرون يوم القيامة حين يتبين الحق والباطل. ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ الباء زائدة؛ أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون. أي الذي فتن بالجنون؛ كقوله تعالى: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ و ﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ وهذا قول قتادة وأبي عبيد والأخفش. وقال الراجز:

نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
وقيل: الباء ليست بزائدة؛ والمعنى: "﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ أي الفتنة. وهو مصدر على وزن المفعول، ويكون معناه الفتون؛ كما قالوا: ما لفلان مجلود ولا معقول؛ أي عقل ولا جلادة. وقاله الحسن والضحاك وابن عباس. وقال الراعي:
حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا
أي عقلا. وقيل في الكلام تقدير حذف مضاف؛ والمعنى: بأيكم فتنة المفتون. وقال الفراء: الباء بمعنى في؛ أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون؛ أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين أم بالفرقة الأخرى. والمفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان. وقيل: المفتون المعذب. من قول العرب: فتنت الذهب بالنار إذا حميته. ومنه قوله تعالى: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ أي يعذبون.
ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل. وقيل: المفتون هو الشيطان؛ لأنه مفتون في دينه. وكانوا يقولون: إن به شيطانا، وعنوا بالمجنون هذا؛ فقال الله تعالى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابَ الأَشِرُّ﴾ ؛ أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل.


الصفحة التالية
Icon