قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ﴾ أي ارتفع وعلا. وقال علي رضي الله عنه: طغى على خزانه من الملائكة غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه. قال قتادة: زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا. وقال ابن عباس: طغى الماء زمن نوح على خزانه فكثر عليهم فلم يدروا كم خرج. وليس من الماء قطرة تنزل قبله ولا بعده إلا بكيل معلوم غير ذلك اليوم. وقد مضى هذا مرفوعا أول السورة. والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب: زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول. ثم من عليهم بأن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله: ﴿حَمَلْنَاكُمْ﴾ أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم. ﴿فِي الْجَارِيَةِ﴾ أي في السفن الجارية. والمحمول في الجارية نوح وأولاده، وكل من على وجه الأرض من نسل أولئك.
قوله تعالى: ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً﴾ يعني سفينة نوح عليه الصلاة والسلام. جعلها الله تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم؛ في قول قتادة. قال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي. والمعنى: أبقيت لكم تلك الخشبات حتى تذكروا ما حل بقوم نوح، وإنجاء الله آباءكم؛ وكم من سفينة هلكت وصارت ترابا ولم يبق منها شيء. وقيل: لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح وإنجاء من آمن معه موعظة لكم؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ أي تحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله. والسفينة لا توصف بهذا. قال الزجاج: ويقال وعيت كذا أي حفظته في نفسي، أعيه وعيا. ووعيت العلم، ووعيت ما قلت؛ كله بمعنى. وأوعيت المتاع في الوعاء. قال الزجاج: يقال لكل ما حفظته في غير نفسك: " وَاعِيَةٌ " بالألف، ولما حفظته في نفسك " وَعِيَتةٌ " بغير ألف. وقرأ طلحة وحميد والأعرج " وَتَعِيَهَا " بإسكان العين؛ تشبيها بقول: ﴿أَرِنَا﴾ واختلف فيها عن عاصم وابن كثير. الباقون بكسر العين؛ ونظير قوله تعالى: ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ وقال قتادة: الأذن الواعية أذن عقلت عن الله تعالى، وانتفعت بما سمعت من


الصفحة التالية
Icon