"هل تعرف الكتاب؟" قال نعم. وذكر الحديث بنحو ما تقدم. وروي أن النبي ﷺ أمن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة هي أحدهم.
الثانية- السورة أصل في النهي عن مولاة الكفار. وقد مضى ذلك في غير موضع. من ذلك قوله تعالى: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ﴾. ومثله كثير. وذكر أن حاطبا لما سمع ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ غشي عليه من الفرح بخطاب الإيمان.
الثالثة- قوله تعالى: ﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾ يعني بالظاهر؛ لأن قلب حاطب كان سليما؛ بدليل أن النبي ﷺ قال لهم: "أما صاحبكم فقد صدق" وهذا نص في سلامة فؤاده وخلوص اعتقاده. والباء في "بالمودة" زائدة؛ كما تقول: قرأت السورة وقرأت بالسورة، ورميت إليه ما في نفسي وبما في نفسي. ويجوز أن تكون ثابتة على أن مفعول " تُلْقُونَ " محذوف؛ معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله ﷺ بسبب المودة التي بينكم وبينهم. وكذلك " تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ " أي بسبب المودة. وقال الفراء: "تلقون إليهم بالمودة" من صلة " أَوْلِيَاءَ " ودخول الباء في المودة وخروجها سواء. ويجوز أن تتعلق بـ " ـلا تَتَّخِذُوا " حالا من ضميره. و" أَوْلِيَاءَ " صفة له، ويجوز أن تكون استئنافا. ومعنى "تلقون إليهم بالمودة" تخبرونهم بسرائر المسلمين وتنصحون لهم؛ وقاله الزجاج.
الرابعة: من كثر تطلعه على عورات المسلمين وينبه عليهم ويعرف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافرا إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم؛ كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين.


الصفحة التالية
Icon