أي مخوف؛ وخص الإنذار بمن يخشى، لأنهم المنتفعون به، وإن كان منذرا لكل مكلف؛ وهو كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾.
وقراءة العامة "منذر" بالإضافة غير منون؛ طلب التخفيف، وإلا فأصله التنوين؛ لأنه للمستقبل وإنما لا ينون في الماضي. قال الفراء: يجوز التنوين وتركه؛ كقوله تعالى: ﴿بَالِغُ أَمْرِهِ﴾، و ﴿بَالِغٌ أَمْرِهِ﴾ و ﴿مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ و ﴿مُوهِنٌ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ والتنوين هو الأصل، وبه قرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن محيصن وحميد وعياش عن أبي عمرو "منذر" منونا، وتكون في موضع نصب، والمعنى نصب، إنما ينتفع بإنذارك من يخشى الساعة. وقال أبو علي: يجوز أن تكون الإضافة للماضي، نحو ضارب زيد أمس؛ لأنه قد فعل الإنذار، الآية رد على من قال: أحوال الآخرة غير محسوسة، وإنما هي راحة الروح أو تألمها من غير حس. ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا﴾ يعني الكفار يرون الساعة ﴿لَمْ يَلْبَثُوا﴾ أي في دنياهم، ﴿إِلَّا عَشِيَّةً﴾ أي قدر عشية ﴿أَوْ ضُحَاهَا﴾ أي أو قدر الضحا الذي يلي تلك العشية، والمراد تقليل مدة الدنيا، كما قال تعالى: ﴿لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾. وروى الضحاك عن ابن عباس: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا يوما واحدا. وقيل: "لم يلبثوا" في قبورهم ﴿إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾، وذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في القبور لما عاينوا من الهول. وقال الفراء: يقول القائل: وهل للعشية ضحا؟ وإنما الضحا لصدر النهار، ولكن أضيف الضحا إلى العشية، وهو اليوم الذي يكون فيه على عادة العرب؛ يقولون: آتيك الغداة أوعشيتها، وآتيك العشية أو غداتها، فتكون العشية في معنى آخر النهار، والغداة في معنى أول النهار؛ قال: وأنشدني بعض بني عقيل:

نحن صبحنا عامرا في دارها جردا تعادي طرفي نهارها
عشية الهلال أو سرارها
أراد: عشية الهلال، أو سرار العشية، فهو أشد من آتيك الغداة أو عشيها.


الصفحة التالية
Icon