لأنها نزلت من كريم؛ لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه. وقيل: المراد كتب الأنبياء؛ دليله: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾. ﴿مَرْفُوعَةٍ﴾ رفيعة القدر عند الله. وقيل: مرفوعة عنده تبارك وتعالى. وقيل: مرفوعة في السماء السابعة، قاله يحيى بن سلام. الطبري: مرفوعة الذكر والقدر. وقيل: مرفوعة عن الشبه والتناقض. ﴿مُطَهَّرَةٍ﴾ قال الحسن: من كل دنس. وقيل: مصانة عن أن ينالها الكفار. وهو معنى قول السدي. وعن الحسن أيضا: مطهرة من أن تنزل على المشركين. وقيل: أي القرآن أثبت للملائكة في صحف يقرؤونها فهي مكرمة مرفوعة مطهرة. ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾ أي الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله، فهم بررة لم يتدنسوا بمعصية. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: هي مطهرة تجعل التطهير لمن حملها "بأيدي سفرة" قال: كتبة. وقاله مجاهد أيضا. وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في الأسفار، التي هي الكتب، وأحدهم: سافر؛ كقولك: كاتب وكتبة. ويقال: سفرت أي كتبت، والكتاب: هو السفر، وجمعه أسفار.
قال الزجاج: وإنما قيل للكتاب سفر، بكسر السين، وللكاتب سافر؛ لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه. يقال: أسفر الصبح: إذا أضاء، وسفرت المرأة: إذا كشفت النقاب عن وجهها. قال: ومنه سفرت بين القوم أسفر سفارة: أصلحت بينهم. وقال الفراء، وأنشد:

فما أدع السفارة بين قومي ولا أمشي بغش إن مشيت
والسفير: الرسول والمصلح بين القوم والجمع: سفراء، مثل فقيه وفقهاء. ويقال للوراقين سفراء، بلغة العبرانية. وقال قتادة: السفرة هنا: هم القراء، لأنهم يقرؤون الأسفار. وعنه أيضا كقول ابن عباس. وقال وهب بن منبه: ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن العربي: لقد كان أصحاب رسول الله ﷺ سفرة، كراما بررة، ولكن ليسوا بمرادين بهذه الآية، ولا قاربوا المرادين بها، بل هي لفظة مخصوصة بالملائكة عند الإطلاق، ولا يشاركهم فيها سواهم، ولا يدخل معهم في متناولها غيرهم. وروي


الصفحة التالية
Icon