في سورة "النحل" هذا المعنى، عند قوله تعالى: ﴿أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ مستوفى. وقد كان ذوو الشرف منهم يمتنعون من هذا، ويمنعون منه، حتى افتخر به الفرزدق، فقال:

ومنا الذي منع الوائدات فأحيا الوئيد فلم يوأَد
يعني جده صعصعة كان يشتريهن من آبائهن. فجاء الإسلام وقد أحيا سبعين موؤودة. وقال ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة، وتمخضت على رأسها، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة، وردت التراب عليها، وإن ولدت غلاما حبسته، ومنه قول الراجز:
سميتها إذ ولدت تموت والقبر صهر ضامن زميت
الزميت الوقور، والزميت مثال الفسيق أوقر من الزميت، وفلان أزمت الناس أي أوقرهم، وما أشد تزمته؛ عن الفراء. وقال قتادة: كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته، ويغذو كلبه، فعاتبهم الله على ذلك، وتوعدهم بقوله: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ﴾ قال عمر في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ﴾ قال: جاء قيس بن عاصم إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! إني وأدت ثماني بنات كن لي في الجاهلية، قال: "فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة" قال: يا رسول الله إني صاحب إبل، قال: "فأهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت".
وقوله تعالى: ﴿سُئِلَتْ﴾ سؤال الموؤودة سؤال توبيخ لقاتلها، كما يقال للطفل إذا ضرب: لم ضربت؟ وما ذنبك؟ قال الحسن: أراد الله أن يوبخ قاتلها؛ لأنها قتلت بغير ذنب. وقال ابن أسلم: بأي ذنب ضربت، وكانوا يضربونها. وذكر بعض أهل العلم في قوله تعالى: ﴿سُئِلَتْ﴾ قال: طلبت؛ كأنه يريد كما يطلب بدم القتيل. قال: وهو كقوله: ﴿وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً﴾ أي مطلوبا. فكأنها طلبت منهم، فقيل أين أولادكم؟ وقرأ الضحاك وأبو الضحا عن جابر بن زيد وأبي صالح "وإذا الموؤودة سألت" فتتعلق الجارية بأبيها، فتقول: بأي ذنب


الصفحة التالية
Icon