فإن قيل: فقد روى ابن المنذر وغيره عن أسامة قال: رأى النبي ﷺ صورا في الكعبة فكنت آتية بماء في الدلو يضرب به تلك الصور. وخرجه أبو داود الطيالسي قال: حدثنا ابن أبي ذئب عن عبدالرحمن بن مهران قال حدثنا عمير مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد قال: دخلت على رسول الله ﷺ في الكعبة ورأى صورا قال: فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول: "قاتل الله قوما يصورون مالا يخلقون". فيحتمل أن يكون النبي ﷺ صلى في حالة مضي أسامة في طلب الماء فشاهد بلال ما لم يشاهده أسامة، فكان من أثبت أولى ممن نفى، وقد قال أسامة نفسه: فأخذ الناس بقول بلال وتركوا قولي. وقد روى مجاهد عن عبدالله بن صفوان قال: قلت لعمر بن الخطاب: كيف صنع رسول الله ﷺ حين دخل الكعبة؟ قال: صلى ركعتين
قلنا: هذا محمول على النافلة، ولا نعلم خلافا بين العلماء في صحة النافلة في الكعبة، وأما الفرض فلا، لأن الله تعالى عين الجهة بقوله تعالى: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤] على ما يأتي بيانه، وقوله ﷺ لما خرج: "هذه القبلة" فعينها كما عينها الله تعالى. ولو كان الفرض يصح داخلها لما قال: "هذه القبلة". وبهذا يصح الجمع بين الأحاديث، وهو أولى من إسقاط بعضها، فلا تعارض، والحمد لله.
الخامسة: واختلفوا أيضا في الصلاة على ظهرها، فقال الشافعي ما ذكرناه. وقال مالك: من صلى على ظهر الكعبة أعاد في الوقت. وقد روي عن بعض أصحاب مالك: يعيد أبدا. وقال أبو حنيفة: من صلى على ظهر الكعبة فلا شيء عليه.
السادسة: واختلفوا أيضا أيما أفضل الصلاة عند البيت أو الطواف به؟ فقال مالك: الطواف لأهل الأمصار أفضل، والصلاة لأهل مكة أفضل وذكر عن ابن عباس وعطاء ومجاهد. والجمهور على أن الصلاة أفضل. وفي الخبر: "لولا رجال خشع وشيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصببنا عليكم العذاب صبا". وذكر أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب في كتاب "السابق واللاحق" عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: