﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١]. أشار إلى هذا الخطابي رحمه الله تعالى. وسيأتي له مزيد بيان في سورة "والذاريات" إن شاء الله تعالى.
وقد استدل بهذه الآية من قال: إن شريعة إبراهيم شريعة لنا إلا ما نسخ منها، وهذا كقوله: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج: ٧٨]، ﴿أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [النحل: ١٢٣]. وسيأتي بيانه.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾ أي اخترناه للرسالة فجعلناه صافيا من الأدناس والأصل في "اصطفيناه" اصتفيناه، أبدلت التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الإطباق. واللفظ مشتق من الصفوة، ومعناه تخير الأصفى.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الصالح في الآخرة هو الفائز. ثم قيل: كيف جاز تقديم "في الآخرة" وهو داخل في الصلة، قال النحاس: فالجواب أنه ليس التقدير إنه لمن الصالحين في الآخرة، فتكون الصلة قد تقدمت، ولأهل العربية فيه ثلاثة أقوال: منها أن يكون المعنى وإنه صالح في الآخرة، ثم حذف. وقيل: "في الآخرة" متعلق بمصدر محذوف، أي صلاحه في الآخرة. والقول الثالث: أن "الصالحين" ليس بمعنى الذين صلحوا، ولكنه اسم قائم بنفسه، كما يقال الرجل والغلام.
قلت: وقول رابع أن المعنى وإنه في عمل الآخرة لمن الصالحين، فالكلام على حذف مضاف. وقال الحسين بن الفضل: في الكلام تقديم وتأخير، مجازه ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين. وروى حجاج بن حجاج - وهو حجاج الأسود، وهو أيضا حجاج الأحول المعروف بزق العسل - قال: سمعت معاوية بن قرة يقول: اللهم إن الصالحين أنت أصلحتهم ورزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم، اللهم كما أصلحتهم فأصلحنا، وكما رزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم فارزقنا أن نعمل بطاعتك، وارض عنا.