حتى تموتوا. فأتى بلفظ موجز يتضمن المقصود، ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت، وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى، فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه، فقد توجه الخطاب من وقت الأمر دائبا لازما. "لا" نهي "تموتن" في موضع جزم بالنهي، أكد بالنون الثقيلة، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. ﴿إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ابتداء وخبر في موضع الحال، أي محسنون بربكم الظن، وقيل مخلصون، وقيل مفوضون، وقيل مؤمنون.
الآية: ١٣٣ ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ﴾ خبر كان، ولم يصرف لأن فيه ألف التأنيث، ودخلت لتأنيث الجماعة كما تدخل الهاء. والخطاب لليهود والنصارى الذين ينسبون إلى إبراهيم ما لم يوص به بنيه، وأنهم على اليهودية والنصرانية، فرد الله عليهم قولهم وكذبهم، وقال لهم على جهة التوبيخ: أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدعون عن علم، أي لم تشهدوا، بل أنتم تفترون. و"أم" بمعنى بل، أي بل أشهد أسلافكم يعقوب. والعامل في "إذ" الأولى معنى الشهادة، و"إذ" الثانية بدل من الأولى. و"شهداء" جمع شاهد أي حاضر. ومعنى ﴿ذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ أي مقدماته وأسبابه، وإلا فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا. وعبر عن المعبود "بما" ولم يقل من، لأنه أراد أن يختبرهم، ولو قال "من" لكان مقصوده أن ينظر من لهم الاهتداء منهم، وإنما أراد تجربتهم فقال "ما". وأيضا فالمعبودات المتعارفة من دون الله جمادات كالأوثان والنار والشمس والحجارة، فاستفهم عما يعبدون من هذه. ومعنى ﴿مِنْ بَعْدِي﴾ أي من بعد موتي. وحكي أن يعقوب حين خير كما تخير الأنبياء اختار الموت وقال: أمهلوني حتى أوصي بني وأهلي، فجمعهم وقال لهم هذا، فاهتدوا وقالوا: ﴿نَعْبُدُ إِلَهَكَ﴾ الآية. فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بالله تعالى.


الصفحة التالية
Icon