الله عز وجل ﴿وَالْجُوعِ﴾ يعني المجاعة بالجدب والقحط، في قول ابن عباس. وقال الشافعي: هو الجوع في شهر رمضان ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ﴾ بسبب الاشتغال بقتال الكفار. وقيل: بالجوائح المتلفة. وقال الشافعي: بالزكاة المفروضة. ﴿وَالأَنْفُسِ﴾ قال ابن عباس: بالقتل والموت في الجهاد. وقال الشافعي: يعني بالأمراض ﴿وَالثَّمَرَاتِ﴾ قال الشافعي: المراد موت الأولاد، وولد الرجل ثمرة قلبه، كما جاء في الخبر، على ما يأتي. وقال ابن عباس: المراد قلة النبات وانقطاع البركات.
قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ أي بالثواب على الصبر. والصبر أصله الحبس، وثوابه غير مقدر، وقد تقدم. لكن لا يكون ذلك إلا بالصبر عند الصدمة الأولى، كما روى البخاري عن أنس عن النبي ﷺ قال: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى". وأخرجه مسلم أتم منه، أي إنما الصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها، فإنه يدل على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر، وأما إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك، ولذلك قيل: يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بد للأحمق منه بعد ثلاث. وقال سهل بن عبدالله التستري: لما قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ صار الصبر عيشا. والصبر صبران: صبر عن معصية الله، فهذا مجاهد، وصبر على طاعة الله، فهذا عابد. فإذا صبر عن معصية الله وصبر على طاعة الله أورثه الله الرضا بقضائه، وعلامة الرضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات. وقال الخواص: الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنة. وقال رويم: الصبر ترك الشكوى. وقال ذو النون المصري: الصبر هو الاستعانة بالله تعالى. وقال الأستاذ أبو علي: الصبر حدة ألا تعترض على التقدير، فأما إظهار البلوى على غير وجه الشكوى فلا ينافي الصبر، قال الله تعالى في قصة أيوب: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ [ص: ٤٤] مع أخبر عنه أنه قال: ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ [الأنبياء: ٨٣].


الصفحة التالية
Icon