في مجلس الإمام فخر الإسلام فيدخل عليه الرجل من خراسان فيقول له: كيف حال فلان؟ فيقول له: مات، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! ثم يقول لنا: قوموا فلأصل لكم، فيقوم فيصلي عليه بنا، وذلك بعد ستة أشهر من المدة، وبينه وبين بلده ستة أشهر.
والأصل عندهم في ذلك صلاة النبي ﷺ على النجاشي. وقال علماؤنا رحمة الله عليهم: النبي ﷺ بذلك مخصوص لثلاثة أوجه:
أحدها: أن الأرض دحيت له جنوبا وشمالا حتى رأى نعش النجاشي، كما دحيت له شمالا وجنوبا حتى رأى المسجد الأقصى. وقال المخالف: وأي فائدة في رؤيته، وإنما الفائدة في لحوق بركته.
الثاني: أن النجاشي لم يكن له هناك ولي من المؤمنين يقوم بالصلاة عليه. قال المخالف: هذا محال عادة ملك على دين لا يكون له اتباع، والتأويل بالمحال محال.
الثالث: أن النبي ﷺ إنما أراد بالصلاة على النجاشي إدخال الرحمة عليه واستئلاف بقية الملوك بعده إذا رأوا الاهتمام به حيا وميتا. قال المخالف: بركة الدعاء من النبي ﷺ ومن سواه تلحق الميت باتفاق. قال ابن العربي: والذي عندي في صلاة النبي ﷺ على النجاشي أنه علم أن النجاشي ومن آمن معه ليس عندهم من سنة الصلاة على الميت أثر، فعلم أنهم سيدفنونه بغير صلاة فبادر إلى الصلاة عليه.
قلت: والتأويل الأول أحسن، لأنه إذا رآه فما صلى على غائب وإنما صلى على مرئي حاضر، والغائب ما لا يرى. والله تعالى اعلم.
القول الرابع: قال ابن زيد: كانت اليهود قد استحسنت صلاة النبي ﷺ إلى بيت المقدس وقالوا: ما اهتدى إلا بنا، فلما حول إلى الكعبة قالت اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، فنزلت: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ فوجه النظم على هذا القول: أن اليهود لما أنكروا أمر القبلة بين الله تعالى أن له أن يتعبد عباده بما شاء، فإن شاء أمرهم بالتوجه إلى بيت المقدس، وإن شاء أمرهم بالتوجه إلى الكعبة، فعل لا حجة عليه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.


الصفحة التالية
Icon