الخامسة- قوله تعالى: ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ ابتداء وخبر، والتقدير كلهم، ثم حذف الهاء والميم. "قانتون" أي مطيعون وخاضعون، فالمخلوقات كلها تقنت لله، أي تخضع وتطبع. والجمادات قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم. فالقنوت الطاعة، والقنوت السكوت، ومنه قول زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه إلى جنبه حتى نزلت: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. والقنوت: الصلاة، قال الشاعر:

قانتا لله يتلو كتبه وعلى عمد من الناس اعتزل
وقال السدي وغيره في قوله: "كل له قانتون" أي يوم القيامة. الحسن: كل قائم بالشهادة أنه عبده. والقنوت في اللغة أصله القيام، ومنه الحديث: "أفضل الصلاة طول القنوت" قاله الزجاج. فالخلق قانتون، أي قائمون بالعبودية إما إقرارا وإما أن يكونوا على خلاف ذلك، فأثر الصنعة بين عليهم. وقيل: أصله الطاعة، ومنه قوله تعالى: ﴿والقانتين والقانتات﴾ [الأحزاب: ٣٥]. وسيأتي لهذا مزيد بيان عند قوله تعالى: ﴿وقوموا لله قانتين﴾ [البقرة: ٢٣٨].
الآية: ١١٧ ﴿بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون﴾
فيه ست مسائل:
الأولى- قوله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ﴾ فعيل للمبالغة، وارتفع على خبر ابتداء محذوف، واسم الفاعل مبدع، كبصير من مبصر. أبدعت الشيء لا عن مثال، فالله عز وجل بديع السموات والأرض، أي منشئها وموجدها ومبدعها ومخترعها على غير حد ولا مثال. وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له مبدع، ومنه أصحاب البدع. وسميت البدعة بدعة لأن قائلها ابتدعها من غير فعل أو مقال إمام، وفي البخاري "ونعمت البدعة هذه" يعني قيام رمضان


الصفحة التالية
Icon