وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. وقال قوم منهم الجرجاني: هذا قول مدخول؛ لأنه يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل: إن مع الفارس سيفا، إن مع الفارس سيفا، أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنان. والصحيح أن يقال: إن اللّه بعث نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم مقلا مخفا، فعيره المشركون بفقره، حتى قالوا له: نجمع لك مالا؛ فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره؛ فعزاه اللّه، وعدد نعمه عليه، ووعده الغنى بقوله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر؛ فإن مع ذلك العسر يسرا عاجلا؛ أي في الدنيا. فأنجز له ما وعده؛ فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن، ووسع ذات يده، حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل، ويهب الهبات السنية، ويعد لأهله قوت سنة. فهذا الفضل كله من أمر الدنيا؛ وإن كان خاصا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء اللّه تعالى. ثم ابتدأ فضلا آخرا من الآخرة وفيه تأسية وتعزية له صلى اللّه عليه وسلم، فقال مبتدئا: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ فهو شيء آخر. والدليل على ابتدائه، تعريه من فاء أو واو أو غيرها من حروف النسق التي تدل على العطف. فهذا وعد عام لجميع المؤمنين، لا يخرج أحد منه؛ أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة. وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة. والذي في الخبر: "لن يغلب عسر يسرين" يعني العسر الواحد لن يغلبهما، وإنما يغلب أحدهما إن غلب، وهو يسر الدنيا؛ فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة، ولن يغلبه شيء. أو يقال: "إن مع العسر" وهو إخراج أهل مكة النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة ﴿يُسْراً﴾، وهو دخوله يوم فتح مكة مع عشرة آلاف رجل، مع عز وشرف.
٧- ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾
٨- ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ﴾ قال ابن عباس وقتادة: فإذا فرغت من صلاتك ﴿فَانْصَبْ﴾ أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك. وقال ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض