بالمعنى، لأنه لما ذكر ما تقدم من نعمه، دل بها على كرمه. وقيل: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ﴾ أي اقرأ يا محمد وربك يعينك ويفهمك، وإن كنت غير القارئ. و ﴿الْأَكْرَمُ﴾ بمعنى المتجاوز عن جهل العباد.
٤- ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾
فيه ثلاث مسائل:
الأولى- قوله تعالى: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ يعني الخط والكتابة؛ أي علم الإنسان الخط بالقلم. وروى سعيد عن قتادة قال: القلم نعمة من اللّه تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين، ولم يصلح عيش. فدل على كمال كرمه سبحانه، بأنه علم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة، التي لا يحيط بها إلا هو. وما دونت العلوم، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب اللّه المنزلة إلا بالكتابة؛ ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا. وسمي قلما لأنه يقلم؛ أي يقطع، ومنه تقليم الظفر. وقال بعض الشعراء المحدثين يصف القلم:

فكأنه والحبر يخضب رأسه شيخ لوصل خريدة يتصنع
لم لا ألاحظه بعين جلالة وبه إلى الله الصحائف ترفع
وعن عبدالله بن عمر قال: يا رسول اللّه، أأكتب ما أسمع منك من الحديث؟ قال: "نعم فاكتب، فإن اللّه علم بالقلم". وروى مجاهد عن أبي عمر قال: خلق اللّه عز وجل أربعة أشياء بيده، ثم قال لسائر الحيوان: كن فكان: القلم، والعرش، وجنة عدن، وآدم عليه السلام. وفيمن علمه بالقلم ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه آدم عليه السلام؛ لأنه أول من كتب، قاله كعب الأحبار. الثاني: أنه إدريس، وهو أول من كتب. قال الضحاك. الثالث: أنه أدخل كل من كتب بالقلم؛ لأنه ما علم إلا بتعليم اللّه سبحانه، وجمع بذلك نعمته عليه في خلقه، وبين نعمته عليه في تعليمه؛ استكمالا للنعمة عليه.


الصفحة التالية
Icon