من الكتب؛ كما قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾. قال الحسن: يعني الصحف المطهرة في السماء. ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ أي مستقيمة مستوية محكمة؛ من قول العرب: قام يقوم: إذا استوى وصح. وقال بعض أهل العلم: الصحف هي الكتب؛ فكيف قال في صحف فيها كتب؟ فالجواب: أن الكتب هنا بمعنى الأحكام؛ قال اللّه عز وجل: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ﴾ بمعنى حكم. وقال صلى اللّه عليه وسلم: "واللّه لأقضين بينكما بكتاب اللّه" ثم قضى بالرجم، وليس ذكر الرجم مسطورا في الكتاب؛ فالمعنى: لأقضين بينكما بحكم اللّه تعالى. وقال الشاعر:

وما الولاء بالبلاء فملتم وما ذاك قال الله إذ هو يكتب
وقيل: الكتب القيمة: هي القرآن؛ فجعله كتبا لأنه يشتمل على أنواع من البيان.
٤- ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾
قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ أي من اليهود والنصارى. خص أهل الكتاب بالتفريق دون غيرهم وإن كانوا مجموعين مع الكافرين؛ لأنهم مظنون بهم علم فاذا تفرقوا كان غيرهم ممن لا كتاب له أدخل في هذا الوصف. ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ أي أتتهم البينة الواضحة. والمعني به محمد صلى اللّه عليه وسلم؛ أي القرآن موافقا لما في أيديهم من الكتاب بنعته وصفته. وذلك أنهم كانوا مجتمعين على نبوته، فلما بعث جحدوا نبوته وتفرقوا، فمنهم من كفر: بغيا وحسدا، ومنهم من آمن؛ كقوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ وقيل: ﴿الْبَيِّنَةُ﴾ : البيان الذي في كتبهم أنه نبي مرسل. قال العلماء: من أول السورة إلى قوله "قيمة": حكمها فيمن آمن من أهل الكتاب والمشركين. وقوله: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ﴾ : حكمه فيمن لم يؤمن من أهل الكتاب بعد قيام الحجج.


الصفحة التالية
Icon