قرانه الذين بلغوا الآمال، وجمعوا الأموال؛ كيف انقطعت آمالهم، ولم تغن عنهم أموالهم، ومحا التراب محاسن وجوههم، وافترقت في القبور أجزاؤهم، وترمل من بعدهم نساؤهم، وشمل ذل اليتم أولادهم، واقتسم غيرهم طريفهم وتلادهم. وليتذكر ترددهم في المآرب، وحرصهم على نيل المطالب، وانخداعهم لمواتاة الأسباب، وركونهم إلى الصحة والشباب. وليعلم أن ميله إلى اللهو واللعب كميلهم، وغفلته عما بين يديه من الموت الفظيع، والهلاك السريع، كغفلتهم، وأنه لا بد صائر إلى مصيرهم، وليحضر بقلبه ذكر من كان مترددا في أغراضه، وكيف تهدمت رجلاه. وكان يتلذذ بالنظر إلى ما خوله وقد سالت عيناه، ويصول ببلاغة نطقه وقد أكل الدود لسانه، ويضحك لمواتاة دهره وقد أبلى التراب أسنانه، وليتحقق أن حاله كحاله، ومآله كمآله. وعند هذا التذكر والاعتبار تزول عنه جميع الأغيار الدنيوية، ويقبل على الأعمال الأخروية، فيزهد في دنياه، ويقبل على طاعة مولاه، ويلين قلبه، وتخشع جوارحه.
٣- ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾
٤- ﴿ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿كَلَّا﴾ قال الفراء: أي ليس الأمر على ما أنتم عليه من التفاخر والتكاثر والتمام على هذا ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أي سوف تعلمون عاقبة هذا "ثم كلا سوف تعلمون": وعيد بعد وعيد؛ قاله مجاهد. ويحتمل أن يكون تكراره على وجه التأكيد والتغليظ؛ وهو قول الفراء. وقال ابن عباس: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ ما ينزل بكم من العذاب في القبر. ﴿ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ : وعيد بعد الآخرة إذا حل بكم العذاب. فالأول في القبر، والثاني في الآخرة؛ فالتكرار للحالتين. وقيل ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ عند المعاينة، أن ما دعوتكم إليه حق. ﴿ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ : عند البعث أن ما وعدتكم به صدق. وروى زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه، قاله: كنا نشك في عذاب القبر، حتى نزلت هذه السورة، فأشار إلى أن قوله: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ يعني في القبور. وقيل: {كَلَّا سَوْفَ