ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ﴾ [القصص: ٤]. و"العظيم" صفة بمعنى عظيم القدر والخطر والشرف، لا على معنى عظم الأجرام. وحكى الطبري عن قوم أن العظيم معناه المعظم، كما يقال: العتيق بمعنى المعتق، وأنشد بيت الأعشى:

فكأن الخمر العتيق من الإسـ ـفنط ممزوجة بماء زلال
وحكي عن قوم أنهم أنكروا ذلك وقالوا: لو كان بمعنى معظم لوجب ألا يكون عظيما قبل أن يخلق الخلق وبعد فنائهم؛ إذ لا معظم له حينئذ.
*٣*الآية: ٢٥٦ ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
قوله تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ الدين في هذه الآية المعتقد والملة بقرينة قوله: ﴿ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾. والإكراه الذي في الأحكام من الإيمان والبيوع والهبات وغيرها ليس هذا موضعه، وإنما يجيء في تفسير قوله: ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾ [النحل: ١٠٦]. وقرأ أبو عبدالرحمن "قد تبين الرشد من الغي" وكذا روي عن الحسن والشعبي؛ يقال: رَشَد يَرْشُد رُشْداً، ورَشِدَ يرْشَد رَشَدا: إذا بلغ ما يحب. وغوى ضده؛ عن النحاس. وحكى ابن عطية عن أبي عبدالرحمن السلمي أنه قرأ "الرشاد" بالألف. وروي عن الحسن أيضا ﴿الرُّشْدُ﴾ بضم الراء والشين. ﴿الْغَيِّ﴾ مصدر من غوى يغوي إذا ضل في معتقد أو رأي؛ ولا يقال الغي في الضلال على الإطلاق.


الصفحة التالية
Icon