تثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوة والخلة، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعاً. وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول، نحو قولك: كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب ؟ ونحو هذا. ومتى قلت: كيف ثوبك ؟ وكيف زيد ؟ فإنما السؤال عن حال من أحواله. وقد تكون "كيف" خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف، نحو قولك: كيف شئت فكن، ونحو قول البخاري: كيف كان بدء الوحي. و"كيف" في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياء متقرر، ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبرون عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح، فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح، مثال ذلك أن يقول مدع: أنا أرفع هذا الجبل، فيقول المكذب له: أرني كيف ترفعه فهذه طريقة مجاز في العبارة، ومعناها تسليم جدلي، كأنه يقول: افرض أنك ترفعه، فأرني كيف ترفعه فلما كانت عبارة الخليل عليه السلام بهذا الاشتراك المجازي، خلص الله له ذلك وحمله على أن بين له الحقيقة فقال له: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى﴾ فكمل الأمر وتخلص من كل شك، ثم علل عليه السلام سؤاله بالطمأنينة.
قلت: هذا ما ذكره ابن عطية وهو بالغ، ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك فإنه كفر، والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث. وقد أخبر الله تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢] وقال اللعين: إلا عبادك منهم المخلصين، وإذا لم يكن له عليهم سلطنة فكيف يشككهم، وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها، فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى علم اليقين، فقوله: ﴿أَرِنِي كَيْفَ﴾ طلب مشاهدة الكيفية. وقال بعض أهل المعاني: إنما أراد إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي القلوب، وهذا فاسد