وقال المهدوي: ومن قرأ "تغمضوا" فالمعنى تغمضون أعين بصائركم عن أخذه. قال الجوهري: وغمضت عن فلان إذا تساهلت عليه في بيع أو شراء وأغمضت، وقال تعالى: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧]. يقال: أغمض لي فيما بعتني، كأنك تريد الزيادة منه لرداءته والحط من ثمنه. و"أن" في موضع نصب، والتقدير إلا بأن.
الحادية عشرة: - قوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ نبه سبحانه وتعالى على صفة الغني، أي لا حاجة به إلى صدقاتكم، فمن تقرب وطلب مثوبة فليفعل ذلك بما له قدر وبال، فإنما يقدم لنفسه. و"حميد" معناه محمود في كل حال. وقد أتينا على معاني هذين الاسمين في "الكتاب الأسنى" والحمد لله. قال الزجاج في قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾: أي لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم فهو حميد على ذلك على جميع نعمه.
*٣*الآية: ٢٦٨ ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
فيه ثلاث مسائل:
الاولى: - قوله تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ﴾ تقدم معنى الشيطان واشتقاقه فلا معنى لإعادته. و"يعدكم" معناه يخوفكم "الفقر" أي بالفقر لئلا تنفقوا. فهذه الآية متصلة بما قبل، وأن الشيطان له مدخل في التثبيط للإنسان عن الإنفاق في سبيل الله، وهو مع ذلك يأمر بالفحشاء وهي المعاصي والإنفاق فيها. وقيل: أي بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا. وقرئ "الفُقْر" بضم الفاء وهي لغة. قال الجوهري: والفقر لغة في الفقر، مثل الضُّعف والضَّعف.
الثانية: - قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً﴾ الوعد في كلام العرب إذا أطلق فهو في الخير، وإذا قيد بالموعود ما هو فقد يقدر بالخير وبالشر كالبشارة. فهذه الآية مما يقيد فيها الوعد بالمعنيين جميعا. قال ابن عباس: في هذه الآية اثنتان من الله تعالى واثنتان من الشيطان. وروى الترمذي عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


الصفحة التالية
Icon