ويرد فعله وإن كان جاهلا، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". لكن قد يأخذ العصاة في الربا بطرف من وعيد هذه الآية.
الرابعة عشرة: - قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا﴾ أي إنما الزيادة عند حلول الأجل آخرا كمثل أصل الثمن في أول العقد، وذلك أن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك، فكانت إذا حل دينها قالت للغريم: إما أن تقضي وإما أن تربي، أي تزيد في الدين. فحرم الله سبحانه ذلك ورد عليهم قولهم بقوله الحق: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ [البقرة: ٢٧٥] وأوضح أن الأجل إذا حل ولم يكن عنده ما يؤدي أنظر إلى الميسرة. وهذا الربا هو الذي نسخه النبي ﷺ بقوله يوم عرفة لما قال: "ألا إن كل رباً موضوع وإن أول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله". فبدأ ﷺ بعمه وأخص الناس به. وهذا من سنن العدل للإمام أن يفيض العدل على نفسه وخاصته فيستفيض حينئذ في الناس.
الخامسة عشرة: - قوله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ " هذا من عموم القرآن، والألف واللام للجنس لا للعهد إذ لم يتقدم بيع مذكور يرجع إليه، كما قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر ١، ٢] ثم استثنى ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [العصر: ٣]. وإذا ثبت أن البيع عام فهو مخصص بما ذكرناه من الربا وغير ذلك مما نهي عنه ومنع العقد عليه، كالخمر والميتة وحَبلَ الحَبَلة وغير ذلك مما هو ثابت في السنة وإجماع الأمة النهي عنه. ونظيره ﴿فاقتلوا المشركين﴾ [التوبة: ٥] وسائر الظواهر التي تقتضي العمومات ويدخلها التخصيص وهذا مذهب أكثر الفقهاء. وقال بعضهم: هو من مجمل القرآن الذي فسر بالمحلل من البيع وبالمحرم فلا يمكن أن يستعمل في إحلال البيع وتحريمه إلا أن يقترن به بيان من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن دل على إباحة البيوع في الجملة دون التفصيل. وهذا فرق ما بين العموم والمجمل.