حتى لا يشذ أحدهم عن المعاملة، وكان منهم من يكتب ومن لا يكتب، أمر الله سبحانه أن يكتب بينهم كاتب بالعدل.
الثالثة عشرة: - الباء في قوله تعالى "بالعدل" متعلقة بقوله: "وليكتب" وليست متعلقة بـ "كاتب" لأنه كان يلزم ألا يكتب وثيقة إلا العدل في نفسه، وقد يكتبها الصبي والعبد والمتحوط إذا أقاموا فقهها. أما المنتصبون لكتبها فلا يجوز للولاة أن يتركوهم إلا عدولا مرضيين. قال مالك رحمه الله تعالى: لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها عدل في نفسه مأمون، لقوله تعالى: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾.
قلت: فالباء على هذا متعلقة بـ "كاتب" أي ليكتب بينكم كاتب عدل، فـ "بالعدل" في موضع الصفة.
الرابعة عشرة: - قوله تعالى: ﴿وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ﴾ نهى الله الكاتب عن الإباء،
واختلف الناس في وجوب الكتابة على الكاتب والشهادة على الشاهد، فقال الطبري والربيع: واجب على الكاتب إذا أمر أن يكتب. وقال الحسن: ذلك واجب عليه في الموضع الذي لا يقدر على كاتب غيره، فيضر صاحب الدين إن امتنع، فإن كان كذلك فهو فريضة، وإن قدر على كاتب غيره فهو في سعة إذا قام به غيره. السدي: واجب عليه في حال فراغه، وقد تقدم. وحكى المهدوي عن الربيع والضحاك أن قوله "ولا يأب" منسوخ بقوله: ﴿وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ﴾.
قلت: هذا يتمشى على قول من رأى أو ظن أنه قد كان وجب في الأول على كل من اختاره المتبايعان أن يكتب، وكان لا يجوز له أن يمتنع حتى نسخه قوله تعالى: ﴿ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ﴾. وهذا بعيد، فإنه لم يثبت وجوب ذلك على كل من أراده المتبايعان كائنا من