أكل لحوم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع مع قوله: ﴿قُلْ لا أَجِدُ﴾ [الأنعام: ١٤٥]. وكالمسح على الخفين، والقرآن إنما ورد بغسل الرجلين أو مسحهما، ومثل هذا كثير. ولو جاز أن يقال: إن القرآن نسخ حكم رسول الله ﷺ باليمين مع الشاهد، لجاز أن يقال: إن القرآن في قوله عز وجل: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ﴾ [البقرة: ٢٧٥] وفي قوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] ناسخ لنهيه عن المزابنة وبيع الغرر وبيع ما لم يخلق، إلى سائر ما نهى عنه في البيوع، وهذا لا يسوغ لأحد، لأن السنة مبينة للكتاب. فإن قيل: إن ما ورد من الحديث قضية في عين فلا عموم. قلنا: بل ذلك عبارة عن تقعيد هذه القاعدة، فكأنه قال: أوجب رسول الله ﷺ الحكم باليمين مع الشاهد. ومما يشهد لهذا التأويل ما رواه أبو داود في حديث ابن عباس أن رسول الله ﷺ قضى بشاهد ويمين في الحقوق، ومن جهة القياس والنظر أنا وقد وجدنا اليمين أقوى من المرأتين، لأنهما لا مدخل لهما في اللعان واليمين تدخل في اللعان. وإذا صحت السنة فالقول بها يجب، ولا تحتاج السنة إلى مايتابعها، لأن من خالفها محجوج بها. وبالله التوفيق.
الموفية ثلاثين - وإذا تقرر وثبت الحكم باليمين مع الشاهد، فقال القاضي أبو محمد عبدالوهاب: ذلك في الأموال وما يتعلق بها دون حقوق الأبدان، للإجماع على ذلك من كل قائل باليمين مع الشاهد. قال: لأن حقوق الأموال أخفض من حقوق الأبدان، بدليل قبول شهادة النساء فيها. وقد اختلف قول مالك في جراح العمد، هل يجب القَوَد فيها بالشاهد واليمين ؟ فيه روايتان: إحداهما أنه يجب به التخيير بين القود والدية. والأخرى أنه لا يجب به شيء، لأنه من حقوق الأبدان. قال: وهو الصحيح. قال مالك في الموطأ: وإنما يكون ذلك في الأموال خاصة، وقاله عمرو بن دينار. وقال المازري: يقبل في المال المحض من غير خلاف، ولا يقبل في النكاح والطلاق المحضين من غير خلاف. وإن كان مضمون الشهادة