وما استكرهوا عليه" أي إثم ذلك. وهذا لم يختلف فيه أن الإثم مرفوع، وإنما اختلف فيما يتعلق على ذلك من الأحكام، هل ذلك مرفوع لا يلزم منه شيء أو يلزم أحكام ذلك كله ؟ اختلف فيه. والصحيح أن ذلك يختلف بحسب الوقائع، فقسم لا يسقط باتفاق كالغرامات والديات والصلوات المفروضات. وقسم يسقط باتفاق كالقصاص والنطق بكلمة الكفر. وقسم ثالث يختلف فيه كمن أكل ناسيا في رمضان أو حنث ساهيا، وما كان مثله مما يقع خطأ ونسيانا، ويعرف ذلك في الفروع.
قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً﴾ أي ثقلا قال مالك والربيع: الإصر الأمر الغليظ الصعب. وقال سعيد بن جبير: الإصر شدة العمل. وما غلظ على بني إسرائيل من البول ونحوه، قال الضحاك: كانوا يحملون أمورا شدادا، وهذا نحو قول مالك والربيع، ومنه قول النابغة:

يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم والحامل الإصر عنهم بعدما عرفوا
عطاء: الإصر المسخ قردة وخنازير، وقاله ابن زيد أيضا. وعنه أيضا أنه الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة. والإصر في اللغة العهد، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾. [آل عمران: ٨١] والإصر: الضيق والذنب والثقل. والإصار: الحبل الذي تربط به الأحمال ونحوها، يقال: أصر يأصر أصرا حبسه. والإصر - بكسر الهمزة - من ذلك قال الجوهري: والموضع مأصِر ومأصَر والجمع مآصر، والعامة تقول معاصر. قال ابن خويز منداد: ويمكن أن يستدل بهذا الظاهر في كل عبادة ادعى الخصم تثقيلها، فهو نحو قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المؤمنون: ٧٨] وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين يسر فيسروا ولا تعسروا". اللهم شق على من شق على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت: ونحوه قال الكيا الطبري قال: يحتج به في نفي الحرج والضيق المنافي ظاهره للحنيفية السمحة، وهذا بين.


الصفحة التالية
Icon