عقد النكاح حتى يحرم إحداهما مع كراهية لهذا النكاح؛ إذ هو عقد في موضع لا يجوز فيه الوطء. وفي هذا ما يدل على أن ملك اليمين لا يمنع النكاح؛ كما تقدم عن الشافعي. وفي الباب بعينه قول آخر: أن النكاح لا ينعقد؛ وهو معنى قول الأوزاعي. وقال أشهب في كتاب الاستبراء: عقد النكاح في الواحدة تحريم لفرج المملوكة.
الموفية عشرين: وأجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقا يملك رجعتها أنه ليس له أن ينكح أختها أو أربعا سواها حتى تنقضي عدة المطلقة. واختلفوا إذا طلقها طلاقا لا يملك رجعتها؛ فقالت طائفة: ليس له أن ينكح أختها ولا رابعة حتى تنقضي عدة التي طلق؛ وروي عن علي وزيد بن ثابت، وهو مذهب مجاهد وعطاء بن أبي رباح والنخعي، وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي. وقالت طائفة: له أن ينكح أختها وأربعا سواها؛ وروي عن عطاء، وهي أثبت الروايتين عنه، وروي عن زيد بن ثابت أيضا؛ وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وعروة بن الزبير وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد. قال ابن المنذر: ولا أحسبه إلا قول مالك وبه نقول.
الحادية وعشرين: قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ يحتمل أن يكون معناه معنى قوله: ﴿ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ في قوله: ﴿ وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾. ويحتمل معنى زائدا وهو جواز ما سلف، وأنه إذا جرى الجمع في الجاهلية كان النكاح صحيحا، وإذا جرى في الإسلام خير بين الأختين؛ على ما قاله مالك والشافعي، من غير إجراء عقود الكفار على موجب الإسلام ومقتضى الشرع؛ وسواء عقد عليهما عقدا واحدا جمع به بينهما أو جمع بينهما في عقدين. وأبو حنيفة يبطل نكاحهما إن جمع في عقد واحد. وروى هشام بن عبدالله عن محمد بن الحسن أنه قال: كان أهل الجاهلية يعرفون هذه المحرمات كلها التي ذكرت في هذه الآية إلا اثنتين؛ إحداهما نكاح امرأة الأب، والثانية، الجمع بين الأختين؛ ألا ترى أنه قال: ﴿ وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾. ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ ولم يذكر في سائر المحرمات ﴿ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ والله أعلم.