والكوفيون: هو نصب على الإغراء، أي الزموا كتاب الله، أو عليكم كتاب الله. وفيه نظر على ما ذكره أبو علي؛ فإن الإغراء لا يجوز فيه تقديم المنصوب على حرف الإغراء، فلا يقال: زيدا عليك، أو زيدا دونك؛ بل يقال: عليك زيدا ودونك عمرا، وهذا الذي قاله صحيح على أنه منصوبا بـ "عليكم" إشارة إلى ما ثبت في القرآن من قوله تعالى: ﴿ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ﴾ وفي هذا بعد؛ والأظهر أن قوله: ﴿ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت العرب تفعله.
الرابعة: قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص "وأحل لكم" ردا على "حرمت عليكم". الباقون بالفتح ردا على قوله تعالى: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ وهذا يقتضي ألا يحرم من النساء إلا من ذكر، وليس كذلك؛ فإن الله تعالى قد حرم على لسان نبيه من لم يذكر في الآية فيضم إليها، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾. روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها". وقال ابن شهاب: فنرى خالة أبيها وعمة أبيها بتلك المنزلة، وقد قيل: إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها متلقى من الآية نفسها؛ لأن الله تعالى حرم الجمع بين الأختين، والجمع بين المرأة وعمتها في معنى الجمع بين الأختين؛ أو لأن الخالة في معنى الوالدة والعمة في معنى الوالد. والصحيح الأول؛ لأن الكتاب والسنة كالشيء الواحد؛ فكأنه قال: أحللت لكم ما وراء ما ذكرنا في الكتاب، وما وراء ما أكملت به البيان على لسان محمد عليه السلام. وقول ابن شهاب: "فنرى خالة أبيها وعمة أبيها بتلك المنزلة" إنما صار إلى ذلك لأنه حمل الخالة والعمة على العموم وتم له ذلك؛ لأن العمة اسم لكل أنثى شاركت أباك في أصليه أو في أحدهما والخالة كذلك كما بيناه.


الصفحة التالية
Icon