ليس فيه تسليم مال وإنما فيه إسقاط الملك من غير أن استحقت به تسليم مال إليها؛ فإن الذي كان يملكه المولى من عنده لم ينتقل إليها وإنما سقط. فإذا لم يسلم الزوج إليها شيئا ولم تستحق عليه شيئا، وإنما أتلف به ملكه، لم يكن مهرا. وهذا بين مع قوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ﴾ وذلك أمر يقتضي الإيجاب، وإعطاء العتق لا يصح. وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ﴾ وذلك محال في العتق، فلم يبق أن يكون الصداق إلا مالا لقوله تعالى: ﴿بِأَمْوَالِكُمْ﴾ اختلف من قال بذلك في قدر ذلك؛ فتعلق الشافعي بعموم قوله تعالى: ﴿بِأَمْوَالِكُمْ﴾ في جواز الصداق بقليل وكثير، وهو الصحيح؛ ويعضده قوله عليه السلام في حديث الموهوبة "ولو خاتما من حديد". وقوله عليه السلام: "أنكحوا الأيامى" ؛ ثلاثا. قيل: ما العلائق بينهم يا رسول الله؟ قال: "ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيبا من أراك". وقال أبو سعيد الخدري: سألنا رسول الله ﷺ عن صداق النساء فقال: "هو ما اصطلح عليه أهلوهم". وروى جابر أن رسول الله ﷺ قال: "لو أن رجلا أعطى امرأة ملء يديه طعاما كانت به حلالا". أخرجهما الدارقطني في سننه. قال الشافعي: كل ما جاز أن يكون ثمنا لشيء، أو جاز أن يكون أجرة جاز أن يكون صداقا، وهذا قول جمهور أهل العلم. وجماعة أهل الحديث من أهل المدينة وغيرها، كلهم أجازوا الصداق بقليل المال وكثيره، وهو قول عبدالله بن وهب صاحب مالك، واختاره ابن المنذر وغيره. قال سعيد بن المسيب: لو أصدقها سوطا حلت به، وأنكح ابنته من عبدالله بن وداعة بدرهمين. وقال ربيعة: يجوز النكاح بدرهم. وقال بعض أصحابنا في تعليل له: وكان أشبه الأشياء بذلك قطع من ربع دينار أو ثلاثة دراهم كيلا. قال بعض أصحابنا في تعليل له: وكان أشبه الأشياء بذلك قطع اليد، لأن البضع عضو واليد عضو يستباح بمقدر من المال، وذلك ربع دينار أو ثلاثة دراهم كيلا؛ فرد مالك البضع إليه قياسا على اليد. قال أبو عمر: قد تقدمه إلى هذا أبو حنيفة، فقاس الصداق على قطع اليد، واليد عنده لا تقطع إلا في دينار ذهبا أو عشرة دراهم كيلا، ولا صداق عنده أقل من ذلك، وعلى ذلك جماعة أصحابه وأهل مذهبه، وهو قول أكثر أهل بلده في قطع اليد لا في أقل الصداق. وقد قال الداروردي لمالك إذ قال لا صداق