ويعاقب الذين أنكحوهما. قال: وأخبرنا ابن جريج عن عبدالله بن محمد بن عقيل قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما عبد نكح بغير إذن سيده فهو عاهر". وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هو نكاح حرام؛ فإن نكح بإذن سيده فالطلاق بيد من يستحل الفرج. قال أبو عمر: على هذا مذهب جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق، ولم يختلف عن ابن عباس أن الطلاق بيد السيد؛ وتابعه على ذلك جابر بن زيد وفرقة. وهو عند العلماء شذوذ لا يعرج عليه، وأظن ابن عباس تأول في ذلك قول الله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾. وأجمع أهل العلم على أن نكاح العبد جائز بإذن مولاه؛ فإن نكح نكاحا فاسدا فقال الشافعي: إن لم يكن دخل فلا شيء لها، لأن كان دخل فعليه المهر إذا عتق؛ هذا هو الصحيح من مذهبه، وهو قول أبي يوسف ومحمد لا مهر عليه حتى يعتق. وقال أبو حنيفة: إن دخل عليها فلها المهر. وقال مالك والشافعي: إذا كان عبد بين رجلين فأذن له أحدهما في النكاح فنكح فالنكاح باطل، فأما الأمة إذا أذنت أهلها في النكاح فأذنوا جاز، وإن لم تباشر العقد لكن تولي من يعقده عليها.
الثانية عشرة: قوله تعالى: ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ دليل على وجوب المهر في النكاح، وأنه للأمة. ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ معناه بالشرع والسنة، وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة، وهو مذهب مالك. قال في كتاب الرهون: ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز. وقال الشافعي: الصداق للسيد؛ لأنه عوض فلا يكون للأمة. أصله إجازة المنفعة في الرقبة، وإنما ذكرت لأن المهر وجب بسببها. وذكر القاضي إسماعيل في أحكامه: زعم بعض العراقيين إذا زوج أمته من عبده فلا مهر. وهذا خلاف الكتاب والسنة وأطنب فيه.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: ﴿مُحْصَنَاتٍ﴾ أي عفائف. وقرأ الكسائي "محصنات" بكسر الصاد في جميع القرآن، إلا في قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾. وقرأ الباقون بالنصب في جميع القرآن. ثم قال: ﴿غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ﴾ أي غير زوان، أي معلنات بالزنى؛ لأن أهل الجاهلية كان فيهم الزواني في العلانية، ولهن رايات منصوبات كراية البيطار.


الصفحة التالية
Icon