فيه تسع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ أي بغير حق. ووجوه ذلك تكثر على ما بيناه؛ وقد قدمنا معناه في البقرة. ومن أكل المال بالباطل بيع العربان؛ وهو أن يأخذ منك السلعة أو يكتري منك الدابة ويعطيك درهما فما فوقه، على أنه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كراء الدابة؛ وإن ترك ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطاك فهو لك. فهذا لا يصلح ولا يجوز عند جماعة فقهاء الأمصار من الحجازيين والعراقيين، لأنه من باب بيع القمار والغرر والمخاطرة، وأكل المال بالباطل بغير عوض ولا هبة، وذلك باطل بإجماع. وبيع العربان مفسوخ إذا وقع على هذا الوجه قبل القبض وبعده، وترد السلعة إن كانت قائمة، فإن فاتت رد قيمتها يوم قبضها. وقد روي عن قوم منهم ابن سيرين ومجاهد ونافع بن عبدالحارث وزيد بن أسلم أنهم أجازوا بيع العربان على ما وصفنا. وكان زيد بن أسلم يقول: أجازه رسول الله ﷺ قال أبو عمر: هذا لا يعرف عن النبي ﷺ من وجه يصح، وإنما ذكره عبدالرزاق عن الأسلمي عن زيد بن أسلم مرسلا؛ وهذا ومثله ليس حجة. ويحتمل أن يكون بيع العربان الجائز على ما تأوله مالك والفقهاء معه؛ وذلك أن يعربنه ثم يحسب عربانه من الثمن إذا اختار تمام البيع. وهذا لا خلاف في جوازه عن مالك وغيره؛ وفي موطأ مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ "نهى عن بيع العربان". قال أبو عمر: قد تكلم الناس في الثقة عنده في هذا الموضع، وأشبه ما قيل نيه: أنه أخذه عن ابن لهيعة أو عن ابن وهب عن ابن لهيعة؛ لأن ابن لهيعة سمعه من عمرو بن شعيب ورواه عنه. حدث به عن ابن لهيعة ابن وهب وغيره، وابن لهيعة أحد العلماء إلا أنه يقال: إنه احترقت كتبه فكان إذا حدث بعد ذلك من حفظه غلط. وما رواه عنه ابن المبارك وابن وهب فهو عند بعضهم صحيح. ومنهم من يضعف حديثه كله. ، وكان عنده علم واسع وكان كثير الحديث، إلا أن حال عندهم كما وصفنا.