مالك مرة، والشافعي في أحد قوليه، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور. وقيل: هو بلوغ؛ إلا أنه يحكم به في الكفار فيقتل من أنبت ويجعل من لم ينبت في الذراري؛ قاله الشافعي في القول الآخر؛ لحديث عطية القرظي. ولا اعتبار بالخضرة والزغب، وإنما يترتب الحكم على الشعر. وقال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: العمل عندي على حديث عمر بن الخطاب: لو جرت عليه المواسي لحددته. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم وأحب إلي ألا يقام عليه الحد إلا باجتماع الإنبات والبلوغ. وقال أبو حنيفة: لا يثبت بالإنبات حكم، وليس هو ببلوغ ولا دلالة على البلوغ. وقال الزهري وعطاء: لا حد على من لم يحتلم؛ وهو قول الشافعي، ومال إليه مالك مرة، وقال به بعض أصحابه. وظاهره عدم اعتبار الإنبات والسن. قال ابن العربي: "إذا لم يكن حديث ابن عمر دليلا في السن فكل عدد يذكرونه من السنين فإنه دعوى، والسن التي أجازها رسول الله ﷺ أولى من سن لم يعتبرها، ولا قام في الشرع دليل عليها، وكذلك اعتبر النبي ﷺ الإنبات في بني قريظة؛ فمن عذيري ممن ترك أمرين اعتبرهما النبي ﷺ فيتأوله ويعتبر ما لم يعتبره النبي ﷺ لفظا، ولا جعل الله له في الشريعة نظرا".
قلت: هذا قوله هنا، وقال في سورة الأنفال عكسه؛ إذ لم يعرج على حديث ابن عمر هناك، وتأوله كما تأول علماؤنا، وأن موجبه الفرق بين من يطيق القتال ويسهم له وهو ابن خمس عشرة سنة، ومن لا يطيقه فلا يسهم له فيجعل في العيال. وهو الذي فهمه عمر بن عبدالعزيز من الحديث. والله أعلم.
الرابعة: قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ أي أبصرتم ورأيتم؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً ﴾ أي أبصر ورأى. قال الأزهري: تقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحدا؛ معناه تبصر. قال النابغة:
... على مستأنس وحد


الصفحة التالية
Icon