لا يعذبنا فيكذبوا ما في كتبهم، وما جاءت به رسلهم، ويبيحوا المعاصي وهم معترفون بعذاب العصاة منهم؛ ولهذا يلتزمون أحكام كتبهم. وقيل: معنى ﴿ يُعَذِّبُكُمْ ﴾ عذبكم؛ فهو بمعنى المضي؛ أي فلم مسخكم قردة وخنازير؟ ولم عذب من قبلكم من اليهود والنصارى بأنواع العذاب وهم أمثالكم؟ لأن الله سبحانه لا يحتج عليهم بشيء لم يكن بعد، لأنهم ربما يقولون لا نعذب غدا، بل يحتج عليهم بما عرفوه. ثم قال: ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾ أي كسائر خلقه يحاسبكم على الطاعة والمعصية، ويجازي كلا بما عمل. ﴿ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ أي لمن تاب من اليهود. ﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ من مات عليها. ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ فلا شريك له يعارضه. ﴿ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ أي يؤول أمر العباد إليه في الآخرة.
١٩- ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا ﴾ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. ﴿ يُبَيِّنُ لَكُمْ ﴾
انقطاع حجتهم حتى لا يقولوا غدا ما جاءنا رسول. ﴿ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ أي سكون؛ يقال فتر الشيء سكن. وقيل: ﴿ عَلَى فَتْرَةٍ ﴾ على انقطاع ما بين النبيين؛ عن أبي علي وجماعة أهل العلم، حكاه الرماني؛ قال: والأصل فيها انقطاع العمل عما كان عليه من الجد فيه، من قولهم: فتر عن عمله وفترته عنه. ومنه فتر الماء إذا عما كان من السخونة إلى البرد. وامرأة فاترة الطرف أي منقطعة عن حدة النظر. وفتور البدن كفتور الماء. والفتر ما بين السبابة والإبهام إذا فتحتهما. والمعنى؛ أي مضت للرسل مدة قبله. واختلف في قدر مدة تلك الفترة؛ فذكر محمد بن سعد في كتاب "الطبقات" عن ابن عباس قال: كان بين موسى بن عمران وعيسى ابن مريم عليهما السلام ألف سنة وسبعمائة سنة، ولم يكن بينهما فترة، وأنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل


الصفحة التالية
Icon