الشافعية سبحان الله! أين الدقائق الفقهية، والحكم الشرعية، التي تستنبطونها من غوامض المسائل؟! ألم تروا إلى المحارب المستبد بنفسه، المعتدي بسلاح، الذي يفتقر الإمام معه إلى الإيجاف بالخيل والركاب كيف أسقط جزاءه بالتوبة استنزالا عن تلك الحالة، كما فعل بالكافر في مغفرة جميع ما سلف استئلافا على الإسلام؛ فأما السارق والزاني وهما في قبضة المسلمين وتحت حكم الإمام، فما الذي يسقط عنهم حكم ما وجب عليهم؟! أو كيف يجوز أن يقال: يقاس على المحارب وقد فرقت بينهما الحكمة والحالة! هذا ما لا يليق بمثلكم يا معشر المحققين. وإذا ثبت أن الحد لا يسقط بالتوبة، فالتوبة مقبولة والقطع كفارة له. ﴿وَأَصْلَحَ﴾ أي كما تاب عن السرقة تاب عن كل ذنب. وقيل: ﴿وَأَصْلَحَ﴾ أي ترك المعصية بالكلية، فأما من ترك السرقة بالزنى أو التهود بالتنصر فهذا ليس بتوبة، وتوبة الله على العبد أن يوفقه للتوبة. وقيل: أن تقبل منه التوبة.
السابعة والعشرون- يقال: بدأ الله بالسارق في هذه الآية قبل السرقة، وفي الزنى بالزانية قبل الزاني ما الحكمة في ذلك؟ فالجواب أن يقال: لما كان حب المال على الرجال أغلب، وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب بدأ بهما في الموضع؛ هذا أحد الوجوه في المرأة على ما يأتي بيانه في سورة ﴿النور﴾ من البداية بها على الزاني إن شاء الله. ثم جعل الله قطع السرقة قطع اليد لتناول المال، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به لثلاثة معان: أحدها: أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية، وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه. الثاني: أن الحد زجر للمحدود وغيره، وقطع اليد في السرقة ظاهر: وقطع الذكر في الزنى باطن. الثالث: أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل وليس في قطع اليد إبطال. والله أعلم.
٤٠- ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾


الصفحة التالية
Icon