وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف
كذا الرواية. أو مجلف بالرفع عطفا على المعنى؛ لأن معنى لم يدع لم يبق. ويقال للحالق: اسحت أي استأصل. وسمي المال الحرام سحتا لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها. وقال الفراء: أصله كلب الجوع، يقال رجل مسحوت المعدة أي أكول؛ فكأن بالمسترشي وآكل الحرام من الشره إلى ما يعطى مثل الذي بالمسحوت المعدة من النهم. وقيل: سمي الحرام سحتا لأنه يسحت مروءة الإنسان.
قلت: والقول الأول أولى؛ لأن بذهاب الدين تذهب المروءة، ولا مروءة لمن لا دين له. قال ابن مسعود وغيره: السحت الرشا. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رشوة الحاكم من السحت. وعن النبي ﷺ أنه قال: "كل لحم نبت بالسحت فالنار أولى به " قالوا: يا رسول الله ؛وما السحت؟ قال: "الرشوة في الحكم". وعن ابن مسعود أيضا أنه قال: السحت أن يقضي الرجل لأخيه حاجة فيهدي إليه هدية فيقبلها. وقال ابن خويز منداد: من السحت أن يأكل الرجل بجاهه، وذلك أن يكون له جاه عند السلطان فيسأله إنسان حاجة فلا يقضيها إلا برشوة يأخذها. ولا خلاف بين السلف أن أخذ الرشوة على إبطال حق أو ما لا يجوز سحت حرام. وقال أبو حنيفة: إذا ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وإن لم يعزل، وبطل كل حكم حكم به بعد ذلك.
قلت: وهذا لا يجوز أن يختلف فيه إن شاء الله؛ لأن أخذ الرشوة منه فسق، والفاسق لا يجوز حكمه. والله أعلم. وقال عليه الصلاة والسلام: "لعن اله الراشي والمرتشي". وعن علي رضي الله عنه أنه قال: السحت الرشوة وحلوان الكاهن والاستجعال في القضية. وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له: الرشوة حرام في كل شيء؟ فقال: لا؛ إنما يكره من الرشوة أن ترشي لتعطي ما ليس لك، أو تدفع حقا فد لزمك؛ فأما أن ترشي لتدفع عن دينك ودمك ومالك


الصفحة التالية
Icon