والشافعي وغيرهما، سوى ما روي عن مالك في ترك إقامة الحد على أهل الكتاب في الزنى؛ فإنه إن زنى المسلم بالكتابية حد ولا حد عليها، فإن كان الزانيان ذميين فلا حد عليهما؛ وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وغيرهما. وقد روي عن أبي حنيفة أيضا أنه قال: يجلدان ولا يرجمان. وقال الشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وغيرهم: عليهما الحد إن أتيا راضيين بحكمنا. قال ابن خويز منداد: ولا يرسل الإمام إليهم إذا استعدى بعضهم على بعض، ولا يحضر الخصم مجلسه إلا أن يكون فيما يتعلق بالمظالم التي ينتشر منها الفساد كالقتل ونهب المنازل وأشباه ذلك، فأما الديون والطلاق وسائر المعاملات فلا يحكم بينهم إلا بعد التراضي، والاختيار له ألا يحكم ويردهم إلى حكامهم. فإن حكم بينهم حكم بحكم الإسلام. وأما إجبارهم على حكم المسلم فيما ينتشر منه الفساد فليس على الفساد عاهدناهم، وواجب قطع الفساد عنهم، منهم ومن غيرهم؛ لأن في ذلك حفظ أموالهم ودمائهم؛ ولعل في دينهم استباحة ذلك فينتشر منه الفساد بيننا؛ ولذلك منعناهم أن يبيعوا الخمر جهارا وأن يظهروا الزنى وغير ذلك من القاذورات؛ لئلا يفسد بهم سفهاء المسلمين. وأما الحكم فيما يختص به دينهم من الطلاق والزنى وغيره فليس يلزمهم أن يتدينوا بديننا، وفي الحكم بينهم بذلك إضرار بحكامهم وتغيير ملتهم، وليس كذلك الديون والمعاملات؛ لأن فيها وجها من المظالم وقطع الفساد. والله أعلم. وفي الآية قول ثان: وهو ما روي عن عمر بن عبدالعزيز والنخعي أيضا أن التخيير المذكور في الآية منسوخ بقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ وأن على الحاكم أن يحكم بينهم؛ وهو مذهب عطاء الخراساني وأبي حنيفة وأصحابه وغيرهم. وروي عن عكرمة أنه قال: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ نسختها آية أخرى ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾. وقال مجاهد: لم ينسخ من ﴿المائدة﴾ إلا آيتان؛ قوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ نسختها ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ ؛ وقوله: ﴿لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ نسختها ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ وقال الزهري: مضت السنة أن يرد أهل الكتاب في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم، إلا أن يأتوا راغبين في حكم الله فيحكم بينهم بكتاب الله. قال


الصفحة التالية
Icon