جنس الكتب. ﴿وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ أي عاليا عليه ومرتفعا. وهذا يدل على تأويل من يقول بالتفضيل أي في كثرة الثواب، على ما تقدمت إليه الإشارة في ﴿الفاتحة﴾ وهو اختيار ابن الحصار في كتاب شرح السنة له. وقد ذكرنا ما ذكره في كتابنا في شرج الأسماء الحسنى والحمد لله. وقال قتادة: المهيمن معناه المشاهد. وقيل: الحافظ. وقال الحسن: المصدق؛ ومنه قول الشاعر:

إن الكتاب مهيمن لنبينا والحق يعرفه ذوو الألباب
وقال ابن عباس: ﴿وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ أي مؤتمنا عليه. قال سعيد بن جبير: القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب، وعن ابن عباس والحسن أيضا: المهيمن الأمين. قال المبرد: أصله مؤتمن أبدل من الهمزة هاء؛ كما قيل في أرقت الماء هرقت، وقاله الزجاج أيضا وأبو علي. وقد صرف فقيل: هيمن يهيمن هيمنة، وهو مهيمن بمعنى كان أمينا. الجوهري: هو من آمن غيره من الخوف؛ وأصله أأمن فهو مؤامن بهمزتين، قلبت الهمزة الثانية ياء كراهة لاجتماعهما فصار مؤتمن، ثم صيرت الأولى هاء كما قالوا: هراق الماء وأراقه؛ يقال منه: هيمن على الشيء يهيمن إذا كان له حافظا، فهو مهيمن؛ عن أبى عبيد. وقرأ مجاهد وابن محيصن: ﴿وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ بفتح الميم. قال مجاهد: أي محمد ﷺ مؤتمن على القرآن.
قوله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ يوجب الحكم؛ فقيل: هذا نسخ للتخيير في قوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ وقيل: ليس هذا وجوبا، والمعنى: فاحكم بينهم إن شئت؛ إذ لا يجب عليا الحكم بينهم إذا لم يكونوا من أهل الذمة. وفي أهل الذمة تردد وقد مضى الكلام فيه. وقيل: أراد فاحكم بين الخلق؛ فهذا كان واجبا عليه.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ فيه مسألتان:
الأولى- قوله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ يعني لا تعمل بأهوائهم ومرادهم على ما جاءك من الحق؛ يعني لا تترك الحكم بما بين الله تعالى من القرآن من بيان الحق وبيان


الصفحة التالية
Icon