فأنزل الله هذه الآية" وكان أبو طالب يرسل كل يوم مع رسول الله ﷺ رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزل: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عماه إن الله قد عصمني من الجن والإنس فلا احتاج إلى من يحرسني".
قلت: وهذا يقتضي أن ذلك كان بمكة، وأن الآية مكية وليس كذلك، وقد تقدم أن هذه السورة مدنية بإجماع؛ ومما يدل على أن هذه الآية مدنية ما رواه مسلم في الصحيح عن عائشة قالت: سهر رسول الله ﷺ مقدمة المدينة ليلة فقال: "ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة" قالت: فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح؛ فقال: "من هذا" ؟ قال: سعد بن أبي وقاص فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جاء بك" ؟ فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله ﷺ فجئت أحرسه؛ فدعا له رسول الله ﷺ ثم نام. وفي غير الصحيح قالت: فبينما نحن كذلك سمعت صوت السلاح؛ فقال: "من هذا" ؟ فقالوا: سعد وحذيفة جئنا نحرسك؛ فنام ﷺ حتى سمعت غطيطه ونزلت هذه الآية؛ فأخرج رسول الله ﷺ رأسه من قبة آدم وقال: "انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله".
وقرأ أهل المدينة: ﴿رِسَالاَتِهِ﴾ على الجميع. وأبو عمرو وأهل الكوفة: ﴿رِسَالَتَهُ﴾ على التوحيد؛ قال النحاس: والقراءتان حسنتان والجمع أبين؛ لأن رسول الله ﷺ كان ينزل عليه الوحي شيئا فشيئا ثم يبينه، والإفراد يدل على الكثرة؛ فهي كالمصدر والمصدر في أكثر الكلام لا يجمع ولا يثنى لدلالته على نوعه بلفظه كقوله: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾. ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ أي لا يرشدهم وقد تقدم. وقيل: أبلغ أنت فأما الهداية فإلينا. نظيره ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ﴾ والله أعلم.