قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ أي لا تفرطوا كما أفرطت اليهود والنصارى في عيسى؛ غلو اليهود قولهم في عيسى، ليس ولد رشدة، وغلو النصارى قولهم: إنه إله. والغلو مجاوزة الحد؛ وقد تقدم في ﴿النساء﴾ بيانه.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ﴾ الأهواء جمع هوى وقد تقدم في ﴿البقرة﴾. وسمي الهوى هوى لأنه يهوى بصاحبه في النار. ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ﴾ قال مجاهد والحسن: يعني اليهود. ﴿وَأَضَلُّوا كَثِيراً﴾ أي أضلوا كثيرا من الناس. ﴿وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ أي عن قصد طريق محمد صلى الله عليه وسلم. وتكرير ضلوا على معنى أنهم ضلوا من قبل وضلوا من بعد؛ والمراد الأسلاف الذين سنوا الضلالة وعملوا بها من رؤساء اليهود والنصارى.
٧٨- ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ فيه مسألة واحدة: وهي جواز لعن الكافرين وإن كانوا من أولاد الأنبياء. وأن شرف النسب لا يمنع إطلاق اللعنة في حقهم. ومعنى ﴿لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ أي لعنوا في الزبور والإنجيل؛ فإن الزبور لسان داود، والإنجيل لسان عيسى أي لعنهم الله في الكتابين. وقد تقدم اشتقاقهما. قال مجاهد وقتادة وغيرهما: لعنهم مسخهم قردة وخنازير. قال أبو مالك: الذين لعنوا على لسان داود مسخوا قردة. والذين لعنوا على لسان عيسى مسخوا خنازير. وقال ابن عباس: الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت، والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بالمائدة بعد نزولها. وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: لعن الأسلاف والأخلاف ممن كفر بمحمد ﷺ على لسان داود وعيسى؛ لأنهما أعلما أن محمدا ﷺ نبي مبعوث فلعنا من يكفر به.