ثم استثنى استثناء بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد
الثانية- قوله تعالى: ﴿ أَوْفُوا ﴾ يقال: وفى وأوفى لغتان: قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ وقال الشاعر:
أما ابن طوق فقد أوفى بذمته | كما وفى بقلاص النجم حاديها |
فجمع بين اللغتين.
قوله تعالى:
﴿ بِالْعُقُودِ ﴾ العقود الربوط، واحدها عقد؛ يقال: عقدت العهد والحبل، وعقدت العسل فهو يستعمل في المعاني والأجسام؛ قال الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم | شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا |
فأمر الله سبحانه بالوفاء بالعقود؛ قال الحسن: يعني بذلك عقود الدين وهي ما عقده المرء على نفسه؛ من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وطلاق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق وتدبير وغير ذلك من الأمور، ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة؛ وكذلك ما عقده على نفسه لله من الطاعات، كالحج والصيام والاعتكاف والقيام والنذر وما أشبه ذلك من طاعات ملة الإسلام. وأما نذر المباح فلا يلزم بإجماع من الأمة؛ قال ابن العربي. ثم قيل: إن الآية نزلت في أهل الكتاب؛ لقوله تعالى:
﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ﴾. قال ابن جريج: هو خاص بأهل الكتاب وفيهم نزلت. وقيل: هي عامة وهو الصحيح؛ فإن لفظ المؤمنين يعم مؤمني أهل الكتاب؛ لأن بينهم وبين الله عقدا في أداء الأمانة فيما في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم مأمورون بذلك في قوله:
﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ وغير موضع. قال ابن عباس:
﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ معناه بما أحل وبما حرم وبما فرض وبما حد في جميع الأشياء؛ وكذلك قال مجاهد وغيره. وقال ابن شهاب: