لأن الله تعالى قال: ﴿ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ وليس في الأجنة ما يستثنى؛ قال مالك: ذكاة الذبيحة ذكاة لجنينها إذا لم يدرك حيا وكان قد نبت شعره وتم خلقه؛ فإن لم يتم خلقه ولم ينبت شعره لم يؤكل إلا أن يدرك حيا فيذكى، وإن بادروا إلى تذكيته فمات بنفسه، فقيل: هو ذكي. وقيل: ليس بذكي؛ وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى:
الرابعة- قوله تعالى: ﴿ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ أي يقرأ عليكم في القرآن والسنة من قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾ وقوله عليه الصلاة والسلام: "وكل ذي ناب من السباع حرام". فإن قيل: الذي يتلى علينا الكتاب ليس السنة؛ قلنا: كل سنة لرسول الله ﷺ فهي من كتاب الله؛ والدليل عليه أمران: أحدهما: حديث العسيف "لأقضين بينكما بكتاب الله" والرجم ليس منصوصا في كتاب الله. الثاني: حديث ابن مسعود: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله ﷺ وهو في كتاب الله؛ الحديث. وسيأتي في سورة ﴿ الْحَشْرِ ﴾. ويحتمل ﴿ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ الآن أو ﴿ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ فيما بعد من مستقبل الزمان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيكون فيه دليل على جواز تأخير البيان عن وقت لا يفتقر فيه إلى تعجيل الحاجة.
الخامسة- قوله تعالى: ﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ ﴾ أي ما كان صيدا فهو حلال في الإحلال دون الإحرام، وما لم يكن صيدا فهو حلال في الحالين. واختلف النحاة في ﴿ إِلاَّ مَا يُتْلَى ﴾ هل هو استثناء أو لا ؟ فقال البصريون: هو استثناء من ﴿ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ﴾ و ﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ ﴾ استثناء آخر أيضا منه؛ فالاستثناءان جميعا من قوله: ﴿ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ﴾ وهي المستثنى منها؛ التقدير: إلا ما يتلى عليكم إلا الصيد وأنتم محرمون؛ بخلاف قوله: ﴿ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. إِلاَّ آلَ لُوطٍ ﴾ على ما يأتي. وقيل: هو مستثنى مما يليه من الاستثناء؛ فيصير بمنزلة قوله عز وجل: ﴿ ِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ﴾ ولو كان كذلك لوجب إباحة الصيد في الإحرام؛ لأنه مستثنى من المحظور إذ كان قوله تعالى: ﴿ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾