فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } وأقله شاة عند الفقهاء. وقال مالك: إذا قال ثوبي هدي يجعل ثمنه في هدي. ﴿ وَالْقَلائِدَ ﴾ ما كان الناس يتقلدونه أمنة لهم؛ فهو على حذف مضاف، أي ولا أصحاب القلائد ثم نسخ. قال ابن عباس: آيتان نسختا من ﴿المائدة﴾ آية القلائد وقوله: ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ فأما القلائد فنسخها الأمر بقتل المشركين حيث كانوا وفي أي شهر كانوا. وأما الأخرى فنسخها قوله تعالى: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ على ما يأتي. وقيل: أراد بالقلائد نفس القلائد؛ فهو نهي عن أخذ لحاء شجر الحرم حتى يتقلد به طلبا للأمن؛ قاله مجاهد وعطاء ومطرف بن الشخير. والله أعلم. وحقيقة الهدي كل معطى لم يذكر معه عوض. وأتفق الفقهاء على أن من قال: لله علي هدي أنه يبعث بثمنه إلى مكة. وأما القلائد فهي كل ما علق على أسنمة الهدايا وأعناقها علامة أنه لله سبحانه؛ من نعل أو غيره، وهي سنة إبراهيمية بقيت في الجاهلية وأقرها الإسلام، وهي سنة البقر والغنم. قالت عائشة رضي الله عنها: أهدى رسول الله ﷺ مرة إلى البيت غنما فقلدها؛ أخرجه البخاري ومسلم؛ وإلى هذا صار جماعة من العلماء: الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن حبيب؛ وأنكره مالك وأصحاب الرأي وكأنهم لم يبلغهم هذا الحديث في تقليد الغنم، أو بلغ لكنهم ردوه لانفراد الأسود به عن عائشة رضي الله عنها؛ فالقول به أولى. والله أعلم. وأما البقر فإن كانت لها أسنمة أشعرت كالبدن؛ قال ابن عمر؛ وبه قال مالك. وقال الشافعي: تقلد وتشعر مطلقا ولم يفرقوا. وقال سعيد بن جبير: تقلد ولا تشعر؛ وهذا القول أصح إذ ليس لها سنام، وهي أشبه بالغنم منها بالإبل. والله أعلم.
الخامسة- واتفقوا فيمن قلد بدنة على نية الإحرام وساقها أنه يصير محرما؛ قال الله تعالى: ﴿ لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ ﴾ إلى أن قال: ﴿ فَاصْطَادُوا ﴾ ولم يذكر الإحرام لكن لما ذكر التقليد عرف أنه بمنزلة الإحرام.