قلت: قد روي عن ابن عباس أنه قال: الوضوء غسلتان ومسحتان. وروي أن الحجاج خطب بالأهواز فذكر الوضوء فقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيهما. فسمع ذلك أنس بن مالك فقال: صدق الله وكذب الحجاج؛ قال الله وتعالى: ﴿ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾. قال: وكان إذا مسح رجليه بلهما، وروي عن أنس أيضا أنه قال: نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل. وكان عكرمة يمسح رجليه وقال: ليس في الرجلين غسل إنما نزل فيه المسح. وقال عامر الشعبي: نزل جبريل بالمسح؛ ألا ترى أن التيمم يمسح فيه ما كان غسلا، ويلغي ما كان مسحا. وقال قتادة: افترض الله غسلتين ومسح. وذهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح، وجعل القراءتين كالروايتين؛ قال النحاس: ومن أحسن ما قيل فيه؛ أن المسح والغسل واجبان جميعا، فالمسح واجب على قراءة من قرأ بالخفض، والغسل واجب على قراءة من قرأ بالنصب، والقراءتان بمنزلة آيتين. قال ابن عطية: وذهب قوم ممن يقرأ بالكسر إلى أن المسح في الرجلين هو الغسل.
قلت: وهو الصحيح؛ فإن لفظ المسح مشترك، يطلق بمعنى المسح ويطلق بمعنى الغسل؛ قال الهروي: أخبرنا الأزهري أخبرنا أبو بكر محمد بن عثمان بن سعيد الداري عن أبي حاتم عن أبي زيد الأنصاري قال: المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه: قد تمسح؛ ويقال: مسح الله ما بك إذا غسلك وطهرك من الذنوب، فإذا ثبت بالنقل عن العرب أن المسح يكون بمعنى الغسل فترجح قول من قال: إن المراد بقراءة الخفض الغسل؛ بقراءة النصب التي لا احتمال فيها، وبكثرة الأحاديث الثابتة بالغسل، والتوعد على ترك غسلها في أخبار صحاح لا تحصى كثرة أخرجها الأئمة؛ ثم إن المسح في الرأس إنما دخل بين ما يغسل لبيان الترتيب على أنه مفعول قبل الرجلين، التقدير فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم؛ فلما كان الرأس مفعولا قبل


الصفحة التالية
Icon