نعم. ونعم ونعم، لغتان بمعنى العدة والتصديق. فالعدة إذا استفهمت عن موجب نحو قولك: أيقوم زيد؟ فيقول نعم. والتصديق إذا أخبرت عما وقع، تقول: قد كان كذا وكذا، فيقول نعم. فإذا استفهمت عن منفي فالجواب بلى نحو قولك ألم أكرمك، فيقول بلى. فنعم لجواب الاستفهام الداخل على الإيجاب كما في هذه الآية. وبلى، لجواب الاستفهام الداخل على النفي؛ كما قال تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢]. وقرأ البزي وابن عامر وحمزة والكسائي ﴿أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ وهو الأصل. وقرأ الباقون بتخفيف ﴿أَنْ﴾ ورفع اللعنة على الابتداء. فـ ﴿أَنْ﴾ في موضع نصب على القراءتين على إسقاط الخافض. ويجوز في المخففة ألا يكون لها موضع من الإعراب، وتكون مفسرة كما تقوم. وحكي عن الأعمش أنه قرأ ﴿أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ بكسر الهمزة؛ فهذا على إضمار القول كما قرأ الكوفيون ﴿فَنَادَاهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أِنَّ اللَّهَ﴾ ويروى أن طاوسا دخل على هشام بن عبدالملك فقال له: اتق الله واحذر يوم الأذان. فقال: وما يوم الأذان؟ قال: قوله تعالى: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ فصعق هشام. فقال طاوس: هذا ذل الصفة فكيف ذل المعاينة.
الآية: ٤٥ ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ في موضع خفض لـ ﴿الظَّالِمِينَ﴾ على النعت. ويجوز الرفع والنصب على إضمارهم أو أعني. أي الذين كانوا يصدون في الدنيا الناس عن الإسلام. فهو من الصد الذي هو المنع. أو يصدون بأنفسهم عن سبيل الله أي يعرضون. وهذا من الصدود. ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ يطلبون اعوجاجها ويذمونها فلا يؤمنون بها. وقد مضى هذا المعنى. ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ﴾ أي وكانوا بها كافرين، فحذف وهو كثير في الكلام.


الصفحة التالية
Icon