عقابه وانتقامه من الكافرين ونصره للمؤمنين وما حكم به وقدره من أفعاله. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ [هود: ٤٠] وقال عز وجل: ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [هود: ٩٧] يعني به شأنه وأفعال وطرائقه. قال الشاعر:

لها أمرها حتى إذا ما تبوأت بأخفافها مرعى تبوأ مضجعا
الثانية: وإذا تقرر هذا فاعلم أن الأمر ليس من الإرادة في شيء. والمعتزلة تقول: الأمر نفس الإرادة. وليس بصحيح، بل يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد. ألا ترى أنه أمر إبراهيم بذبح ولده ولم يرده منه، وأمر نبيه أن يصلي مع أمته خمسين صلاة، ولم يرد منه إلا خمس صلوات. وقد أراد شهادة حمزة حيث يقول: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠]. وقد نهى الكفار عن قتله ولم يأمرهم به. وهذا صحيح نفيس في بابه، فتأمله.
قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿تَبَارَكَ﴾ تفاعل، من البركة وهي الكثرة والاتساع. يقال: بورك الشيء وبورك فيه؛ قال ابن عرفة. وقال الأزهري: "تبارك" تعالى وتعاظم وارتفع. وقيل: إن باسمه يتبرك ويتيمن. وقد مضى في الفاتحة معنى ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة، ١].
الآية: ٥٥ ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
فيه ثلاث مسائل:-
الأولى: قوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾ هذا أمر بالدعاء وتعبد به. ثم قرن جل وعز بالأمر صفات تحسن معه، وهي الخشوع والاستكانة والتضرع. ومعنى ﴿خُفْيَةً﴾ أي سرا في النفس ليبعد عن الرياء؛ وبذلك أثنى على نبيه زكريا عليه السلام إذ قال مخبرا عنه: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً﴾ [مريم: ٣]. ونحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي". والشريعة مقررة أن السر فيما لم يعترض من أعمال البر أعظم أجرا من الجهر.


الصفحة التالية
Icon