﴿ذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ بالجمع، لأن الذرية لما كانت تقع للواحد أتى بلفظ لا يقع للواحد فجمع لتخلص الكلمة إلى معناها المقصود إليه لا يشركها فيه شيء وهو الجمع؛ لأن ظهور بني آدم استخرج منها ذريات كثيرة متناسبة، أعقاب بعد أعقاب، لا يعلم عددهم إلا الله؛ فجمع لهذا المعنى.
السادسة: قوله تعالى: ﴿بَلَى﴾ تقدم القول فيها في "البقرة". ﴿أَنْ يَقُولُوا﴾ ﴿أَوْ يَقُولُوا﴾ قرأ أبو عمرو بالياء فيهما. ردهما على لفظ الغيبة المتكرر قبله، وهو قوله: ﴿مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾. وقوله: ﴿قَالُوا بَلَى﴾ أيضا لفظ غيبة. وكذا ﴿وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ ﴿وَلَعَلَّهُمْ﴾ فحمله على ما قبله وما بعده من لفظ الغيبة. وقرأ الباقون بالتاء فيهما؛ ردوه على لفظ الخطاب المتقدم في قوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾. ويكون ﴿شَهِدْنَا﴾ من قول الملائكة. لما قالوا ﴿بَلَى﴾ قالت الملائكة: ﴿شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا﴾ ﴿أَوْ تَقُولُوا﴾ أي لئلا تقولوا. وقيل: معنى ذلك أنهم لما قالوا بلى، فأقروا له بالربوبية، قال الله تعالى للملائكة: اشهدوا قالوا شهدنا بإقراركم لئلا تقولوا أو تقولوا. وهذا قول مجاهد والضحاك والسدي. وقال ابن عباس وأبي بن كعب: قوله ﴿شَهِدْنَا﴾ هو من قول بني آدم، والمعنى: شهدنا أنك ربنا وإلهنا، وقال ابن عباس: أشهد بعضهم على بعض؛ فالمعنى على هذا قالوا بلى شهد بعضنا على بعض؛ فإذا كان ذلك من قول الملائكة فيوقف على ﴿بَلَى﴾ ولا يحسن الوقف عليه إذا كان من قول بني آدم؛ لأن ﴿أَنْ﴾ متعلقة بما قبل بلى، من قوله: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ لئلا يقولوا. وقد روى مجاهد عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: "أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم كما يؤخذ بالمشط من الرأس فقال لهم ألست بربكم قالوا بلى قالت الملائكة شهدنا أن تقولوا". أي شهدنا عليكم بالإقرار بالربوبية لئلا تقولوا. فهذا يدل على التاء. قال مكي: وهو الاختيار لصحة معناه، ولأن الجماعة عليه. وقد قيل: إن قوله ﴿شَهِدْنَا﴾من قول الله تعالى والملائكة. والمعنى: فشهدنا على إقراركم؛ قاله أبو مالك، وروي عن السدي أيضا.


الصفحة التالية
Icon