كان خطابا لنبيه عليه السلام فهو تأديب لجميع خلقه. وقال ابن زيد وعطاء: هي منسوخة بآية السيف. وقال مجاهد وقتادة: هي محكمة؛ وهو الصحيح لما رواه البخاري عن عبدالله بن عباس قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس بن حصن، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أو شبانا. فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فتستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه؛ فاستأذن لعيينة. فلما دخل قال: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل ! قال: فغضب عمر حتى هم بأن يقع به. فقال الحر؛ يا أمير المؤمنين، إن الله قال لنبيه عليه السلام ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ وإن هذا من الجاهلين. فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل. قلت: فاستعمال عمر رضي الله عنه لهذه الآية واستدلال الحر بها يدل على أنها محكمة لا. منسوخة. وكذلك استعملها الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما؛ على ما يأتي بيانه. وإذا كان الجفاء على السلطان تعمدا واستخفافا بحقه فله تعزيره. وإذا كان غير ذلك فالإعراض والصفح والعفو؛ كما فعل الخليفة العدل.
الآية: ٢٠٠ ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
فيه مسألتان:-
الأولى: لما نزل قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ قال عليه السلام: "كيف يا رب والغضب" فنزلت: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ﴾ ونزغ الشيطان: وساوسه. وفيه لغتان: نزغ ونغز، يقال: إياك والنزاغ والنغاز، وهم المورشون. الزجاج: النزغ أدنى حركة تكون، ومن