والجزع منها صادرا عن الإيمان. وأما أمره بالاستعاذة فلكون تلك الوساوس من آثار الشيطان. وأما الأمر بالانتهاء فعن الركون إليها والالتفات نحوها. فمن كان صحيح الإيمان واستعمل ما أمره به ربه ونبيه نفعه وانتفع به. وأما من خالجته الشبهة وغلب عليه الحس ولم يقدر على الانفكاك عنها فلا بد من مشافهته بالدليل العقلي؛ كما قال ﷺ للذي خالطته شبهة الإبل الجرب حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى". وقال أعرابي: فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فإذا دخل فيها البعير الأجرب أجربها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "فمن أعدى الأول" فاستأصل الشبهة من أصلها. فلما يئس الشيطان من أصحاب محمد ﷺ بالإغراء والإضلال أخذ يشوش عليهم أوقاتهم بتلك الألقيات. والوساوس: الترهات؛ فنفرت عنها قلوبهم وعظم عليهم وقوعها عندهم فجاؤوا - كما في الصحيح - فقالوا: يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: "أو قد وجدتموه"؟ قالوا: نعم. قال: "ذلك صريح الإيمان رغما للشيطان حسب ما نطق به القرآن في قوله: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢]. فالخواطر التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها الشبهة فهي التي تدفع بالإعراض عنها؛ وعلى مثلها يطلق اسم الوسوسة. والله أعلم.
الآيتان: ٢٠١ - ٢٠٢ ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ، وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ يريد الشرك والمعاصي. ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ هذه قراءة أهل البصرة وأهل مكة. وقراءة أهل المدينة وأهل الكوفة ﴿طَائِفٌ﴾. وروي عن سعيد بن جبير ﴿طَيْفٌ﴾ بتشديد الياء. قال النحاس: كلام العرب في مثل هذا ﴿طَيْفٌ﴾ بالتخفيف؛ على أنه مصدر من طاف يطيف. قال الكسائي:


الصفحة التالية
Icon